العربية
100%
معالم المرقد العلوي

الحرم العلوي المطهر

الحرم العلوي المطهر

الحضرة العلوية المقدسة    

     يقع الحرم العلوي أو الروضة الحيدرية أو الحضرة في وسط الصحن تقريباً, وهو مبنى مربع الشكل طول ضلعه 13.30م وتبلغ مساحته 176.89م2 وارتفاع جدرانه نحو 12.5م يحيط بالضريح الطاهر لأمير المؤمنين عليه السلام[1]. وتعلو الحرم القبة التي تستند على أربعة ركائز تحصر بينها أربعة عقود أو أواوين كبيرة مرتفعة تحيط بالضريح المقدس من الجوانب الأربعة.

     تقول الدكتورة سعاد ماهر في "مشهد الإمام علي" عن هندسة الحرم ما نصه:(أما منطقة الإنتقال من المربع الى الدائرة التي تقوم عليها الرقبة فتتكون من ثلاثة مقرنصات, المتوسط منها - وهو الذي يقع في ركن المربع- نجد قاعدته الى أسفل ورأسه الى أعلى بينما نجد انَّ قاعدتي المقرنصين الجانبيين – واللذين يقعان في كوشة العقود الجانبية- الى أعلى ورأسيهما الى أسفل, ومثل هذا الإسلوب لم يظهر في العمارة الإسلامية إلاّ في القرن العاشر الهجري)[2].

     وتمتاز الروضة المقدسة بدقة الريازة وروعة النقوش وجمال الألوان فهي بحق آية من آيات الفن المعماري الاسلامي الرائع, إذ تم تغليف الجدران بالمرايا المبهرة ذات الزوايا المنكسرة والزخارف الهندسية الجميلة, ويؤطر الأواوين الكبيرة للحرم أشرطة من القاشاني المعرّق كُتب عليها بعض السور القرآنية, وتعلوها أبيات شعرية. وتشاهد أرضية الحرم مكسوة بالمرمر الاخضر الفاخر, كما انَّ الجدران مغلفة بالمرمر الى ارتفاع مترين.

    وعن فن التزجيج تقول الدكتورة اعتماد القصيري في "الروضة الحيدرية في النجف الأشرف" ما نصه:(يمثل فن الزخرفة بالمرايا فناً من أبرز الفنون المستخدمة في العتبات المقدسة القائمة في العراق, إذ استخدم التزجيج في زخرفة جدرانها وسقوفها, وفن التزجيج بالمرايا يعتبر من الفنون التي ابتدعها الفنان المسلم. ومن الصعوبة تحديد تاريخ دقيق لدخول هذا الفن في زخرفة عمارة الأضرحة والذي انتشر في الوقت الحاضر بشكل واسع, وأغلب الظن أن فن المرايا عُرف في نهاية القرن السابع عشر للميلاد وأوائل القرن الثاني عشر للهجرة وبصورة خاصة في العراق وإيران)[3].

     وعن تاريخ تزجيج غرفة الحرم العلوي يقول المؤرخ الشيخ جعفر محبوبه في "ماضي النجف وحاضرها" :(كانت الحضرة المطهرة مبنية بالحجر القاشاني ولم توجد فيها هذه المرايا الملونة والنجارة البديعة, وكلها حدثت بعد عصر الشاه صفي وبها انطمس أكثر التاريخ القديم لعمارة الحضرة المعظمة, وأقدم أثر موجود بها أدركته ما هو مؤرخ سنة 1121هـ. ولما قلعوا الكتابات المحيطة بالروضة المقدسة من داخلها العليا والوسطى والسفلى ذهب هذا التاريخ ولم يعد. هذه ((الكتيبات)) الثلاث كانت من الجص مصبوغة بألوان الصبغ الزائل فأبدلت بالحجر القاشي الثمين الجيد, وكان الباذل لتجديدها رجل من أهالي خراسان بسعي الحاج السيد احمد مصطفوي وتم العمل سنة 1370هـ...)[4].   

     ويقول الشيخ محبوبه في موضع آخر من هذا الكتاب: (ويوجد في الحرم من جهة الرأس الشريف في الدعامة التي تكون مقابلة للقبلة بيت تاريخ - يوافق سنة 1204هـ- البيت:

قل لمن يسأل عن تأريخها *** (هي صرح من قوارير ممرد)

وهو تاريخ لوضع المرايا الموجودة عند الراس الشريف قلع مع الزجاج سنة 1368هـ ولم يُعد[5]

     وتم تجديد تزجيج الحضرة المقدسة على نفقة شاه إيران محمد رضا بهلوي في عام 1370هـ/1951م. وقد نظم عدد من الشعراء قصائدهم التي تؤرخ لهذا العمل ومنهم العلامة الشيخ  محمد حسين آل كاشف الغطاء فقال:

لرضا شاه كم تبدت أياد *** خالدات مثل الكواكب تزهر

مرقد المرتضى كساه مرايا *** نيرات من غرة الشمس أزهر

طاء طه الأمين قد أكملتها *** أرخوا (يدٌ من الشاه تشكر)[6]

     ومن الجدير بالذكر قيام السلاطين والملوك والأمراء بإهداء الثريات الفاخرة النفيسة والقناديل المصنعة من الذهب والفضة للحضرة العلوية المطهرة. ففي عام 914هـ/1508م أهدى الشاه اسماعيل الصفوي قناديل ومفروشات ثمينة للروضة الحيدرية عند زيارته النجف الأشرف[7]. كما أهدى الشاه ناصر الدين القاجاري للحضرة ثريا وقناديل وشمعدانات وتحف في عام 1299هـ/1881م, وقد أرَّخ الشيخ صالح التميمي لهذه الهدية بقوله:

أكرمْ بها من ثُريّا قد علت شرفاً *** لصِنو خيرِ البرايا سيدِ الرُسلِ

على الثُريّا عَلَتْ قدراً ومنزلةً *** أرِّخ (ثُريّا أميرِ المؤمنينَ علي)[8]

     وأهدى ملك حيدر آباد مير عثمان علي خان ثريا بلورية للحرم الشريف تم تعليقها في ليلة عيد الغدير من عام 1354هـ/1936[9].  

     وقد طرأت على أرضية الروضة الحيدرية إصلاحات عدة لعل أهمها ما قام به سلطان الهنود البهرة طاهر سيف الدين في عام1359هـ/1940م إذ تم قلع الصخر القديم ورصف أرضية الحرم وجدرانه بالمرمر الايطالي الصقيل الفاخر, وقد نظم الشيخ حسن السبتي قصيدة بهذه المناسبة وأرَّخ هذا التجديد بقوله:

ألا أنَّ سيف الدين قد زار قبره *** حوى أرخوا (جاهاً بتبليطه صخرا)[10].    

     وفي اطار حملة الإعمار الشاملة التي قامت بها الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة لمعالم المرقد المطهر تم تنفيذ الكثير من أعمال الترميم والصيانة للمرايا والزخارف لحجرة الحرم العلوي فضلاً عن نصب الثريات الجديدة بإشراف الكوادر الهندسية والفنية في العتبة المقدسة. فقد تم تبديل مرمر جدران الحرم المطهر  وارضيته بالمرمر الأونكس الاخضر, كما تم تبديل الكتيبة القرآنية للأواوين الأربعة. إذ تلخصت الأعمال بقلع الكاشي القديم وإصلاح الجدران وتثبيت مسارات الأسلاك الكهربائية ومن ثم وضع كتيبة القاشاني المعرّق الجديدة التي تضمنت الآيات نفسها المكتوبة سابقاً وبخط الخطاط الايراني (موحدي). وتم رفع المرايا القديمة بسبب تضررها كما انَّ بعض المناطق قد تساقط منها الكثير من القطع, وبعد معالجة الجدران تم التغليف بالمرايا الجديدة  بذات النقوش والاشكال الهندسية للمرايا السابقة [11].

     وفي يوم 26 ربيع الثاني 1428هـ/2007م تم تعليق الثريا الكبيرة فوق شباك الضريح المطهر, وهذه الثريا الثمينة هي بطول ثمانية أمتار وبثلاثة أطواق تحتوي على الكرستال الفاخر ومطلية بالذهب وتم تصنيعها في مدينة مشهد المقدسة[12].  

أبواب الدخول للحرم العلوي المطهر:

    للروضة المقدسة في الوقت الحاضر ثمانية أبواب ذهبية ثمينة تفضي الى غرفة الحرم المطهر لسيد الأوصياء عليه السلام من الجهات الأربع. وهذه الأبواب الذهبية هي بديلة للأبواب الفضية القديمة, وتمتاز بجمال الصياغة ودقة الصنعة وهي مملوءة بالزخارف النباتية البارزة ونقش عليها الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة والقصائد الشعرية ويبلغ ارتفاع كل منها نحو 3 م وعرضها 2 م.     

     ففي الجهة الشرقية تم نصب البابين الذهبيين في عام 1376هـ/1956م على نفقة الحاج محمد تقي اتفاق الطهراني وبمسعى العلامة السيد محمد كلانتر, إذ كتب في شريط أسفل مصراعي الباب الأيمن بالنسبة للداخل للحرم ما نصه: (وله الحمد على ما وفقني لتوجيه عواطف الأخ الحاج محمد تقي الاتفاق إلى إنشاء هذا الباب, فاستقبلت دعوتي روحه العلوية فأنفق في سبيله من خالص ماله وأنا الراجي محمد الموسوي كلانتر). 

     وللعلامة السيد موسى بحر العلوم قصيدة يؤرّخ فيها عام نصب هذين البابين كتبت على إطار الباب الشرقي الأيمن بالنسبة للداخل للحرم المقدس مطلعها:

أوتيتَ سُؤْلَكَ فاسْتأْنِفْ من العمل *** يا مَنْ أتى زائراً قبرَ الإمام علي

الى أن قال:

قامتْ على بابِها تدعو مؤرخةً *** (لُذْنا ببابِ أميرِ المؤمنين علي)

        وله رحمه الله قصيدة أخرى خُطت على إطار الباب الشرقي الأيسر بالنسبة للداخل للحرم المقدس والتي يقول في أولها:

أيُّها الراجون للهِ رضى *** يومَ لا ينفعُ مالٌ وبنونا

الى ان يقول مؤرّخاً:

فعلى اسْمِ اللهِ أرَخّ (وتلوا *** أدخلوها بسلامٍ آمنينا)

     فضلا عن ذلك كُتب على أرضية من الميناء الزرقاء في الجزء العلوي الضيق الفاصل بين البابين قصيدة ثالثة للسيد موسى بحر العلوم واصفاً فيها الصرح البديع للروضة المطهرة إذ يقول: 

صرح تكلل باللئاليء والدرر*** للمرتضى حارت بصنعته الفكر

لن تخرق الأبصار نور جماله *** ولو استحالت هذه الدنيا بصر

الله أبدع صنعه لطفاً على *** أيدي الملائك لا على أيدي البشر

هذا النعيم وجنة الخلد التي *** وعد الكتاب بها وحدّثت السير

تفد الملائك من حظائر قدسها *** لتطوف حول ضريحه زمراً زمر

لله خير بنيّة قدسيّة *** دامت مدى الأيام خالدة الأثر

فكأن نور الكهرباء خلالها *** شهب السماء كأنَّ مرقده القمر

والشمس مصدر هذه الأنوار *** نور أخي النبي أبي الميامين الغرر

     أما البابين الذهبيين للحرم في الجهة الشمالية فقد تمت صياغتهما في إيران وتم نصبهما في يوم الجمعة 18 جمادى الأولى 1432هـ/2011م, في حين انَّ الأبواب الذهبية للجهتين الجنوبية والغربية قد تم تصنيعها في النجف الأشرف على نفقة الحاج معين الشيخ جابر جدّي النجفي, وقد نُقش أسفل الباب الأيمن للجهة الغربية ما نصه:(صُنع هذا الباب بمباركة المرجع الأعلى السيد السيستاني, على نفقة الوجيه الكبير الحاج معين الشيخ جابر جدّي النجفي 1433هـ). وقد دُونت على عضادات البابين الأيمن والأيسر أبيات من القصيدة الكوثرية الشهيرة للسيد رضا الهندي التي يقول في أولها:

يا من قد أنكر من آيات *** أبي حسن ما لا ينكرْ

     وكُتب على عُضادات البابين في الجهة الجنوبية قصيدة للعلامة الشيخ عبدالمنعم الفرطوسي مطلعها:

نشيدي وأنت له مطلعُ  *** من الشمس يعنو له مطلعُ