عقد الأمين العام للعتبة العلوية المقدسة سماحة الشيخ ضياء الدين زين الدين لقائه الاسبوعي بمنتسبي العتبة المقدسة صباح الثلاثاء المصادف 25 / 3 /2014 الموافق الثالث والعشرون من شهر جمادي الأولى المعظم 1435 للهجرة النبوية الشريفة .
وقال الشيخ زين الدين في استمراراً بتقديم جملة من الإشارات والروايات الدالة التي دلَّت على الارتباط العاطفي بين الزائر ومراقد أهل البيت(عليهم السلام) : " قلنا في حديثنا المتقدم أن الله تبارك وتعالى لا يريد للمؤمن الارتباط بالدين من خلال جانب واحد من جوانب الإنسان أو من خلال رؤية واحدة فقط وإنما يريد ارتباطا عقلي الأساس حيث أنه تبارك وتعالى قد جعل من العقل حجة باطنة تقاس بها جميع الحجج الإلهية الأخرى فكل جانب من جوانب الدين الإلهي أساسه الارتباط العقلي، ولكن في الوقت نفسه يتبادر السؤال التالي: هل ان هذا الارتباط العقلي فحسب هو كاف لذلك أم لا؟
وفي معرض الرد عن ذلك نقول: ان هذا الارتباط العقلي لا يكون كافيا وحده للارتباط الديني الذي يحتاج بدوره الى الارتباط العاطفي وكذلك الارتباط الاخلاقي والسلوكي كل بحسبه ، إذ يجب أن تكون العلاقة مع الله تبارك وتعالى ومع أوليائه علاقة فطرية وإنسانية عامة المنشأ وبذلك فأن الإنسان المؤمن كما استطاع أن يبني عقله على معرفة الله تعالى ومعرفة أهل البيت(عليهم السلام) فيجب عليه أن يكون حبه لهم دافعاً ذاتياً في اعماقه ايضا لان معرفته أنهم أبواب الله التي منها يؤتى , فطبيعي ان يكون حبهم استكمالا لتلك المعرفة وهذا ما اشارت اليه الاحاديث التي قرأناها في الاسبوع الماضي كما في الحديث :عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أن النبي صلى الله وعليه وآله ، قال له : والله لتُقْتَلُنَّ بأرض العراق وتُدفَنُ بها، قلت: يا رسول الله ما لمن زار قبورنا وعمَّرها وتعاهدها، قال لي : يا أبا الحسن إن الله جعل قبرك وقبور ولدك بقاعا من بقاع الجنة وعرصة من عرصاتها، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تَحُنُّ اليكم وتحتمل المذلة والأذى فيكم، فيُعمِّرون قبوركم ويُكْثِرون زيارتها تقرب منهم الى الله ومودة منهم لرسوله أولئك يا علي المخصَّصون بشفاعتي والواردون حوضي وهم زواري غدا في الجنة.
وعن الامام ابي جعفر عليه السلام: من كان لنا مُحِبَّا فليرغب في زيارة قبر الحسين فمن كان للحسين محبا زَوَّاراً عرفناه بالحب لنا أهل البيت وكان من أهل الجنة ومن لم يكن للحسين عليه السلام زَوَّاراً كان ناقص الايمان
وعن الحلبي عن أبي عبد الله(ع) قال: قلت له: ما تقول فيمن ترك زيارة الحسين(ع) وهو يقدر على ذلك؟ قال: انه قد عقّ رسول الله(ص) وعقنا، واستخف بأمر هو له ومن زاره كان الله له من وراء حوائجه وكفى ما همه من أمر دنياه.
وقبل أن نختم حديثنا نلتفت الى ان للايمان بأهل البيت عليهم السلام طريقين اولهما الانطلاق من العقل حيث يستكمل الانسان كل الادلة والاصول التي تجعله يعتقد بهم وبمقاماتهم عند الله وبعد ان يستكمل هذه المرحلة فهو يبني كيانه على حبهم وودهم والقرب النفسي والشعوري منهم اما الطريق الثاني فهو ان يبدأ بحبهم والارتباط العاطفي بهم ثم يوطد ايمانه بهم وبصره لمقاماتهم عن طريق الدليل الدامغ والقاطع فأي الطريقين هو الاساس الذي ينبغي ان يسلكه المرء في هذا المجال؟
وفي معرض ردنا عن ذلك نقول أن طبقات الناس تختلف عن بعضها البعض فهناك من الناس طبقة تحمل رؤية عقلية وذهنية علمية راقية وبشكل سريع فالمفترض في هذه الطبقة أن يكون العلم والتبصر العقلي هو الاساس الذي يصل به إلى حب ربه تبارك وتعالى وهذا طريق ذوي العقول.
وبالمقابل من ذلك هنالك فريق من الناس يتعامل مع الطفل الذي ينشأ وينعقد قلبه على الدين والله تعالى واهل البيت عليهم السلام ويرتبط بهم عاطفيا في بداية الأمر الا انه مع مرور الزمن تُبْنى رؤيته الدينية بالتدرج حتى تتثبت في مداركه العقلية وتتكامل رؤيته الفكرية مع عواطفه وهذا الطريق هو الذي ينشأ عليه ابناء المسلمين عادة.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير والصلاح وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.