العربية
النص الكامل لكلمة الأمين العام للعتبة العلوية المقدسة الشيخ ضياء الدين زين الدين في احتفالية الكوفة عاصمة الامامة
الاخبار

النص الكامل لكلمة الأمين العام للعتبة العلوية المقدسة الشيخ ضياء الدين زين الدين في احتفالية الكوفة عاصمة الامامة

منذ ٩ سنين - ١٢ مايو ٢٠١٤ ٢١٨٤
مشاركة
مشاركة

الحمد لله رب العالمين ، وصلاته وسلامه على خيرته من خلقه محمد وآله المنتجبين .
السلام عليك يا أمين الله في أرضه وحجته على عباده ، السلام عليك يا امير المؤمنين ، وعلى المستخلصين من صحبك وانصارك ورحمة الله وبركاته .
السلام عليكم أيها الحضور ورحمة الله وبركاته

النص الكامل لكلمة الأمين العام للعتبة العلوية المقدسة الشيخ ضياء الدين زين الدين في احتفالية الكوفة عاصمة الامامة
ملء الشاشة

الحمد لله رب العالمين ، وصلاته وسلامه على خيرته من خلقه محمد وآله المنتجبين .

السلام عليك يا أمين الله في أرضه وحجته على عباده ، السلام عليك يا امير المؤمنين ، وعلى المستخلصين من صحبك وانصارك ورحمة الله وبركاته .

السلام عليكم أيها الحضور ورحمة الله وبركاته .

أربعة عشر قرناً مرت على استلام علي لدولة العدل ، دولة الحق والكرامة والكمال الإنساني ، ومن الطبيعي أن يتساءل أبناء هذا القرن عن طبيعة هذه الدولة ، وما الذي يعنيه استلام علي (عليه السلام ) لزمامها ، وأين هي البشرية اليوم عن متطلبات هذه الدولة ومسؤولياتها؟ .

لعل وقفة قصيرة عند اللحظات الاولى من استلام افمام لهذه الدولة بعد مقتل الخليفة الثالث يمكنها ان تجيب إجابة صريحة وواضحة عن أمثال هذه التساؤلات ..

ولنقرأ ما ذكره السيد الشريف الرضي في نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، إذ قال :

ومن كلام له (عليه السلام) لما أرده الناس على البيعة - بعد مقتل عثمان- : ( دعوني والتَمِسُوا غَيري ، فإنا مستقبلون أمراً، له وجوه وألوان ، لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول ، وإن الآفاق قد أغامت ، والمحجة قد تنكرت .

وإعلموا أني إن اجبتكم ، ركبت بكم ما أعلم ، ولم أصغ إلى قول القائل ، وأعتب العاتب ، وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه امركم ، وانا لكم وزيرا ، خيرٌ لكم مني أميراً).

فهذا الكلام يعني - فيما يعنيه - أن علياً رفض البيعة في مبدئها ، وللأسباب التي ذكرها .

وقد يستغرب أحد هذا الصدود والامتناع من الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في قبول منزلته الحقيقية في الأمة المسلمة بأمر الله (عليه السلام) في قبول منزلته الحقيقية في الامة المسلمة بأمر الله (عزوجل) قبل ان يبايع الناس فيها .

إذ ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يمض الى ربه الا بعد ان بثَّ من دلائل الحجة الالهية ما يوقف المسلمين - والى يوم القيامة -  على حق علي ( عليه السلام) وموقعه من بعده ، وعلى مسؤولية الأمة المسلمة كل الأمة تجاهه ، فكلهم كان يعلم - حق العلم – من هو علي ( عليه السلام) في قيادة ركب الحق بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم) / وكلهم كان يعلم – حق العلم – ما الذي يجب عليه معرفته تجاه حق علي (عليه السلام ) ، ، وكلهم يعلم – حق العلم – ماهي مسؤوليته في الوفاء بهذا الحق .

فالرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يألُ جهداً في بيان الحقائق في كل مناسبة ، وكان يضع المؤمنين كافة إذ أعلن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وزارة علي ( عليه السلام )  ووصايته له ، وخلافته له منذ اليوم الاول لإعلان رسالته في البشرية ، يوم نزلت الآية الكريمة الآمرة له ( صلى الله عليه وآله وسلم) بإنذار عشيرته الأقربين ، إذ قال قولته المشهورة بين المسلمين كافة - وكما في لفظ الطبري - : ( إن هذا  أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا).

وأعلن رسول الله إمارة علي (عليه السلام) للمؤمنين حتى أمر المسلمين بأن يدعوه بهذا اللقب حينما يدعونه حتى في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )، إذ سلم الخليفة والثاني على علي (عليه السلام)، قائلين : سلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته .

فقيل كنتم تقولون في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله )؟!. فقال عمر : هو أمرنا بذلك .

وأعلن ، وأعلن ، والقائمة تطول من أن نختزل في موقف سريع كالذي نحن فيه .

ومن اجل أن نفهم هذا الامتناع من الإمام ( عليه السلام)نقف عند أمور ثلاثة ، لها دور في توضيح الموقف :

الأمر الاول  : دورالإمام في إقامة الحجة الالهية على العباد .

إذ أن الإمام - وقبل ان يكون أميراً او حاكماً او قائداً في المجتمع – هو حجة الله على العباد ، وكلمته في البشرية ، فحيث ينطق الإمام بكلمة يجب أن تُعْتَمَدْ هذه الكلمة أفقاً من آفاق حجج الله وبيانته ، وحيث يتخذ الإمام موقفاً، يجب أن يصبح من انوار الله في الوجود ، وحيث يتسنم الإمام موقعاً من المواقع ، يجب أن يركن إليه كأساس من أسس الحياة والى آخر يوم من هذه الدنيا .. وهكذا .

وضمن الأفق قبل غيره من الآفاق ، يجب أن تتكافل الإعدادات الصادرة منه ، او الصادرة من الأمة التي تنضوي تحت لوائه ، فعلي هذا المدى وحده بُنِيَ الايمان ، وعلى هذا المدى رسمت الحجج الالهية علاقة المؤمن مع أصفياء الله (عليهم السلام ).

إذ قال تعالى في العلاقة مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ): ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم  لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما).

وعلى هذا المدى بنى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علاقة المؤمن بعلي(عليه السلام ) وبالمنتجبين من آله ( عليهم السلام ) ، إذ قال قولته المأثورة بين المسلمين بعد ان سألهم : ( ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم )؟، وبعد ان أجابوا بالإيجاب قال : ( من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه ) لتمتد هذه الولاية - وبهذا المدى - في سلسلة النجباء من بينه حتى آخرهم وخاتمهم (عليهم السلام أجمعين ) حيث ورد في هذا المسلك الطاهر حديثه المشهور بين المسلمين ( من سرَّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوالِ علياً من بعدي ، وليوالِ وليه ، وليقتد بالأئمة من بعدي ، فإنهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، رزقوا فهماً وعلماً ، وويلٌ للمكذبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي ).

الأمر الثاني : ضرورة ان ينطلق جميع من ينطوي تحت لواء الإمامة ، في موقف هؤلاء النجباء ، من خلال تلك المسؤوليات التي رسمها القرآن ، وأوضحتها البينات الالهية للمؤمن في التولي المطلق ، والطاعة التامة ، والاستقامة الكاملة مع كل بينة ينطقها الإمام، أو يرسمها أو يتخذها لمأموميه، ومن خلال وضوح العقيدة وجلاء الالتزام، في أي جانب من جوانب الحياة، وضمن هذا المدى المطلق يجب أن تتضامن جهود الإمام وجهود الأمة معاً، لئلا تلتبس الأمور على الناس فتقصر الحجة الإلهية عن بلوغ الغاية، وهذا محال بالنسبة لطرف الإمام، إذ(وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).

ولهذا فحيث تتدخل الشبهة، أو يتدخل القطور أو التقصير المتعمّد، ضمن بعض السياقات لتعكر ذلك الصفاء في العلاقة على الصعيد الفردي أو الاجتماعي، إلى درجة تؤثر على السياقات العامة لمسار الحجة الإلهية، فمن الطبيعي أن يتخذ الإمام- ومن خلال السياقات الإنسانية العامة- سبلاً أخرى، تضمن للبشرية ذلك الصفاء والقوة للتعامل مع موقع الإمام ومهماته الأولى، وخلود حجة الله(تعالى) فيها، وبالمستوى الذي تستطيع الأذهان بلوغها حين تطلب الحق.

الأمر الثالث: وحدة ما بين الشعار والتنفيذ في مهمات الإمامة، فهنا عصمة ربانية، يستحيل أن تتفاوت فيها كلمة عن عمل، وهنا أنوار إلهية أبدية، يمتنع أن يدخلها الظلام، ومن أي جهة من الجهات، وهنا حكمة عليا يستحيل أن تتفاوت في شيء من أمورها.

وهكذا فمن يرتبط من الناس بعلاقة مع هذه السلسلة المباركة، أو يعطي بيعة لأحد أصفيائها، عليه أن يضع نصب عينيه مسؤولية الانتظام مع تلك الاستقامة، بمداه المطلق الذي سبقت الإشارة إليه، وعليه أن يضمن من نفسه الاستقامة الشاملة مع كل هدى يقتبسه من ذلك النور، وإلا هوت به الأيام إلى دركات عميقة، قد تكون أشد عليه، وأنكى تأثيراً مما لو اكتفى بمراقبة الأمور من بعيد.

وهذا المصير هو الذي حذر منه الإمام(ع) أولئك الذين انهالوا على بيعته في ذلك اليوم، وهذا المصير هو الذي وقعت فيه فصائل من أبناء المجتمعات المسلمة في ايام خلافته(ع)، إذ ما اسرع ما نكث الناكثون، وقسط القاسطون، ومرق المارقون، في حروب ثلا، لا تزال دماؤها تجري في اوساط المجتمع المسلم حتى اليوم.

وحتى أولئك الذين رأوا أنهم يفون لأمير المؤمنين ببيعته، لم يجد علي(ع) من جلّتهم، ليس ذلك التولي والاتباع المطلق الذي بينته الحجج الإلهية فيه، بل لم يكن فيهم إلا ما يدمي القلوب من التقاعس والتقصير والتواكل، حيث ملأ كلماته بآلامه التي لقبها منهم.

إذ يقول لهم تارة(وَقَدْ بَلَغْتُمْ منْ كَرَامَةِ اللهِ لَكُمْ مَنْزِلَةً تُكْرَمُ بِهَا إِمَاؤُكُمْ، وَتُوصَلُ بِهَا جِيرَانُكُمْ، وَيُعَظِّمُكُمْ مَنْ لاَ فَضْلَ لَكُمْ عَلَيهِ، وَلاَ يَدَلَكُمْ عِنْدَهُ، وَيَهَابُكُمْ مَنْ لاَ يَخَافُ لَكُمْ سَطْوَةً، وَلاَ لَكُمْ عَلَيْهِ إِمْرَةٌ، وَقَدْ تَرَوْنَ عُهُودَ اللهِ مَنْقُوضَةً فَلاَ تَغْضَبُونَ! وَأَنْتُمْ لِنَقْضِ ذِمَمِ آبَائِكُمْ تَأْنَفُونَ! وَكَانَتْ أَمُورُ اللهِ عَلَيْكُمْ تَرِدُ، وَعَنْكُمْ تَصْدُرُ، وَإِلَيْكُمْ تَرْجِعُ، فَمَكَّنْتُمُ الظَّلَمَةَ مِنْ مَنْزِلَتِكُمْ، وَأَلْقَيْتُمْ إِلَيْهِمْ أَزِمَّتَكُمْ، وَأَسْلَمْتُمْ أُمُورَ اللهِ فِي أَيْدِيهمْ، يَعْمَلُونَ بِالشُّبُهَاتِ، وَيَسِيرُونَ في الشَّهَوَاتِ)

ويقول لهم أخرى(يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلاَ رِجَالَ! حُلُومُ الاْطْفَالِ، وَعُقُولُ رَبّاتِ الحِجَالِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكمْ مَعْرِفَةً ـ وَاللهِ ـ جَرَّتْ نَدَماً، وَأَعقَبَتْ سَدَماً، قَاتَلَكُمُ اللهُ! لَقَدْ مَلاَتُمْ قَلْبِي قَيْحاً، وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً، وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً، وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالعِصْيَانِ وَالخذْلاَن، حَتَّى قَالَتْ قُريْشٌ: إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِب رَجُلٌ شُجَاعٌ، وَلْكِنْ لاَ عِلْمَ لَهُ بِالحَرْبِ، للهِ أَبُوهُمْ! وَهَلْ أَحدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً، وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي؟! لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ العِشْرِينَ، وها أناذا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ! وَلكِنْ لا رَأْيَ لَمِنْ لاَ يُطَاعُ!)

والسؤال الذي يعنينا اليوم أين نحن من حكومة العدل العلويّ؟

وللإجابة على هذا السؤال، علينا أن نلتفت إلى أن هذا العهد منا باق ما دمنا نعتقد بوجود إمام من الله(تعالى) قائم في البشرية، ظاهر أو غائب، لأن استتاره وغيبته لا يعنيان عدم مزاولته لمسؤوليته الكبرى في إقامة العدل الإلهي حيث تتكاتف البشرية على هذه الإقامة في حياتها، كما يعنيان جواز تهاون الأمة في شيء من مسؤولية العهد الذي يعطيه المؤمن لأصفياء الله في حياته، فالعهد قائم وثابت، ويجب على كل من يعود إلى خط الإمامة في انتمائه، وبنفس المستوى المطالب به في عهد حضور الإمام(ع)، وهو ما يعنيه انتظار الإمام في مفهوم مدرسة أهل البيت(ع).

فهذا الانتظار في مفهوم مدرسة أهل البيت(ع) ليس هو انتظار مجيء الإمام، أو انتظار مسؤولية التعلق معه، وإنما هي مسؤولية الوفاء بهذه المسؤولية، وعلى مستوى القرب من القيادة، أما مقياس الوفاء بهذا العهد في زمن الغيبة فهو يرد من محورين:

أولهما: الانتظام المطلق في أحكام الله(تعالى) والامتثال لأوامره ونواهيه، فلا تتهيأ له شرائط هذا الانتظار إلا حيث يجد المؤمن من نفسه الاستقامة مع تلك الاحكام والأحكام الإلهية على مستوى الالتزام، وعلى مستوى العمل والسلوك، و كذلك على مستوى الارتقاء بها إلى درجات الكمال الأعلى.

ثانيهما: الانتظام في دلائل المرجعية العظمى، حيث تضع هذه المرجعية أنوار الله أمام أبنائها في طرق الاصلاح الاجتماعي في مختلف جوانب الحياة وحيث أراده الحجة المنتظر(ع):(وأما الحوادث الواقعة فارجعوا بها إلى رواة حديثنا).

ثبتنا الله وإياكم على الهدى، وعصمنا وإياكم من الزلل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.