مكتبة الروضة الحيدرية
الرسائل الجامعية ـ 2
تأليف
هناء عباس عليوي كشكول
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
((سُبحانَ رّبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عمّا يَصفونَ ● وَسَلامٌ على المُرسَلينَ ● والحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ))، الذي نصر رسوله الامين بعمه الناصر لدين الله أبي طالب والد امير المؤمنين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله المبعوث فينا رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه ومن والاه الى يوم الدين، وبعد:
زخر زمن البعثة برجال عظام كانوا المثل الاعلى بالايمان العميق بالله، والتضحية في سبيل اعلاء كلمة الحق، والعمل الصالح لخير البشرية، ففي حياتهم معين لا ينضب من الخبرة والعبرة والصبر والايمان، فلم يخنق الزمن اصواتهم على مر العصور، ولم يمح الكلام اثارهم من الاذان على مر الدهور.
وتراثنا الادبي حافل باولئك المشاهير والشعراء، وفي مقدمتهم أبو طالب بن عبد المطلب (85- 3 ق.هـ)، (540- 620م) عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عاش في الجاهلية بروح الدين الحنيف نابذاً العادات والتقاليد الذميمة، مهتدياً بروح التوحيد، آمن بالله وبكتبه وبرسله وملائكته واليوم الاخر، وعندما بزغ فجر الاسلام كان أول من ناصر الدعوة المحمدية، وذاد عنها، وحمى صاحبها، ودافع عنه، واول من اثبت دعائم اركان الاسلام وصدع صوته مغردا في مسامع الدهر نشيدا ايمانياً صادقا خالدا من خلال ايمانه المبكر بنبوة ابن اخيه نور الهدى، فاعزَّ الله الاسلام بعمه أبي طالب اشرف رجال قريش وحاكم مكة ورئيسها، والبطل في مواقفه للاسلام في صفاء سريرته، وطهارة وجدانه، وسحر بيانه، ونبل اخلاقه، ولطف انسانيته، وعمق ايمانه.
ومن دواعي دراستنا لشعر أبي طالب أن الادباء لم يولوا شعره كما يستحق من الدراسة الادبية، فلم نعثر على كتاب أدبي مخصص يعطي صورة صادقة لفن هذا الشاعر، ولم تعطِ المظان صورة قريبة او بعيدة عن فن الشعر الاسلامي في زمن البعثة التي واكبت الجهر بالدعوة الاسلامية في قريش وانذار عشيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الاقربين، التي امدها عشر سنين لازم فيها أبو طالب ابن أخيه مؤيدا وناصرا ومساندا ومؤازرا ومدافعا عنه أذى مشركي قريش، في الوقت الذي تعد هذه الحقبة الزمنية من أقدس حقب الادب الاسلامي في نفوس المسلمين؛ لأنها تمثل مرحلة الوحي، ونشر الدعوة الاسلامية، ومن المعروف أن الظواهر الادبية لا تتبلور وتكتمل في مرحلة الانتقال من حقبة الى اخرى مباشرة، ومن المسلم به ان شعراء مكة لم يتباروا في الدخول في زمام معركة شعرية حقيقية وقتذاك فقد نظروا الى الدعوة بامكانهم اخمادها ووأدها، ولذلك لم تكن في هذه الحقبة حركة ادبية واضحة، ولكن اصول الظواهر الادبية الاسلامية الجديدة وجذورها وجدت فيها، ولا سيما في شعر أبي طالب الذي يمثل تأصيل الظواهر الادبية في الادب الاسلامي، فيمثل شعره مرحلة مهمة من أدب تلك الحقبة، فحدود البحث تمتد لزمن قريب من هجرة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) الى المدينة.
على أننا لا نغفل أن كثيراً من شعراء المشركين الذين ظهرت أسماؤهم بعد فتح مكة بتسعة عشر عاما من بعثة الرسول الكريم هاجوا شعراء الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بيد انهم دخلوا الاسلام، فتحرج الرواة من ذكر اشعارهم التي هاجوا بها الاسلام، فلهذا السبب والاسباب التي ذكرناها آنفا كانت من دواعي إهمال تلك الحقبة المهمة في دراسة الادب العربي الاسلامي؛ لذلك كله وجدتُ فرصة سانحة في دراسة شعر أبي طالب، فحملت نفسي جاهدة على ركاب رحلة ممتعة نقطف من ثمارها دراسة جدية تأخذ بالحسبان تأصيل الظواهر الادبية على أن أبا طالب شاعر الاسلام الأول، يحفل شعره بالقديم والمتطور والجديد، فوجدتُ أن ادرسَهُ دراسة أدبية؛ لتوافر المعايير الفنية المؤثرة في المتقبل؛ لاستجلاء قيمتها المتدرجة ضمن شكل تعبيري تقني معين، والدراسة الأدبية أوسع مجالا في البحث وأرحب شمولا لدراسة الظواهر الادبية في شعره، متوخية الدقة والاحاطة والشمول في جميع شعره المتوافر لدي في ديوانه، والمتدافع منه، ومما ظفرت به من المظان؛ لاعطي صورة تقريبية من شعره على المستويين: الموضوع والفن، بما يليق بهذه الشخصية الفذة ناصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقد وقع الاختيار على ديوان أبي طالب بن عبد المطلب صنعة أبي هفّان المهزمي البصري (ت257هـ) وصنعة علي بن حمزة البصري التميمي (ت375هـ)، بتحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين، وهي طبعة محققة تحقيقا علميا تفوق الطبعات الاخرى، واشمل لشعر أبي طالب، وما لم نجده في هذه الطبعة عُدتُ به الى الطبعات الاخرى، واذا لم نظفر بما نريده في هذه النسخ المطبوعة للديوان راجعتُ الى بطون الكتب في سبيل اتقان عملي.
بلغ عدد الأبيات المدروسة الفاً وتسعة وعشرون بيتا وشطراًُ، واعتمدت في منهج البحث على التحليل الوصفي والموضوعي اللذين يجنحان الى تحليل النص واستنطاقه وابراز الحقائق فيه وما يرقد وراءها مراعية أصولاً عقلية مقررة، وحاولت في دراسة النص تحقيق الصلة التأريخية في عدم فصله عن ظرفه الذي ولد فيه من خلال الإفادة من الاشارات التأريخية القديمة التي عالجت سيرة حياة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) مع عمه أبي طالب وحرصتُ في منهجي على ابراز الشاهد أو أكثر بحسب ورود الظاهرة، لدعم تثبيت حقيقة كنت قد أشرتُ اليها، ولمعرفة الزيادات الفنية والتطور الذي نهض به شعر أبي طالب في الدراسة، ثم دراسة التفاصيل بحسب اهميتها، وأوردت إحصاء لكل ظاهرة أدبية مدروسة، وحرصت على أن أذكر مقدمة لكل مبحث وأتبع نهايته بخلاصة موجزة .
واستعنت في دراستي بمظان الأدب والبلاغة والنقد واللغة والتأريخ والأخبار والسير، واطلعت على غير قليل من الدراسات الادبية الحديثة فوجدت أنها تحتوي على آراء متباينة ونافعة.
وفي ضوء هذه المعطيات ومراجعة المادة انتظم البحث في تمهيد، وثمانية فصول: واهم النتائج التي خلصتُ إليها في خاتمته، وملحقين تابعين لمتطلبات الاطروحة، وقد اقتضت طبيعة موضوع الاطروحة ان امهد له بالحديث عن جانب من جوانب حياة أبي طالب مع مسيرة ابن اخيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن جلَّ شعره في الرسالة وصاحبها، وقد أوجزت في الحديث عن ايمانه، وأمأتُ الى المراجع والدراسات للاطلاع عليها، لكثرة ما كُتب عن عقيدته، بيد أن البحث لم يغفل عن هذه القضية العقائدية التي ترتبط بشعره، ولا سيما في مرحلة مواجهته لطواغيت الشرك من قريش ولو بهذا الايجاز.
تكفل الفصل الاول في دراسة مصادر شعر أبي طالب وتوثيقه بسبب ما زرعه بعض الباحثين المستشرقين ومن تابعهم من الباحثين العرب من شك في شعره مما جعل الباحثين يقفون موقف الحيطة والحذر والتهيب والتردد فعزفوا عن دراسته، فكان من المفيد توثيق شعره.
وفي دراسة الموضوع كشف الفصل الثاني: الرثاء والفخر والمديح ابعاد علاقة الفنون الشعرية الثلاثة، وضمَّن الرثاء: الندب والتأبين والعزاء، واتجه الفخر الى سبيلين: الفخر الذاتي والفخر الجماعي، وسلك المديح مسلكين: المديح النبوي والمديح العام.
ونهض الفصل الثالث: شعر العقيدة بدراسة الابعاد العقائدية: التوحيد والتصديق، ومن دواعي الايمان بالرسالة المحمدية التصديق بمعجزاته ونصرته، وعرض موضوع النصرة مباحث جانبيه في الحث على الصبر والنصيحة والوصية تتعلق جميعها بمضامين محتويات هذا الفصل .
وعقدَ الفصل الرابع: العتاب والتحذير والتهديد والهجاء في بيان العلاقة بين هذه الموضوعات، فبرز في العتاب نوعان من العتاب: الشخصي والجماعي اللذان قادا الشاعر الى التحذير والتهديد وقد يسلك سبيل الهجاء في بعض الاحايين.
وفي دراسة الفن عرض الفصل الخامس: البناء الفني في شعره، فتضمن القصائد ذوات المقدمات وتعدد الاغراض فيها، وبناء القصيدة المباشرة والمقطوعات، وشملت بناء الغرض الواحد وتعدده، وعلى هذا أسس الرجز ايضا.
وتطرق الفصل السادس: لغة شعره الى دراسة الالفاظ المتضمنة اسماء الأعلام: الرجال والنساء والقبائل، والامكنة، ولا سيما الأماكن الدينية، واتجه مبحث الصياغة الى دراسة الأساليب اللغوية: النفي والتوكيد والاستفهام والامر والنداء، وألحق في الفصل دراسة أثر الاسلام في لغة شعر أبي طالب.
وحفل الفصل السابع بدراسة الايقاع في شعره، ومن مظاهره: الوزن والقافية، واهم الظواهر الايقاعية: التكرار والتدوير والضرائر .
وتكفل الفصل الثامن بالصورة الفنية في شعره ومصادر الصورة المستمدة من روافد ثقافية: تراثية ودينية، ومن البيئة الحضرية في مشاهدات الشاعر اليومية، وفي مصادر الصورة البيانية نطالع الصور التشبيهية والكنائية والاستعارية.
وفي النتائج نصيب وافر في انبلاج الرؤية عن شعر أبي طالب القديم والمتطور والجديد على المستويين: الموضوع والفن.
واتبعت النتائج بملحقين هما من متطلبات الرسالة وثبت بالمصادر والمراجع.
بقي ان اقول: إن عليَّ أن أقرَّ بفضل جميل أسداه إليَّ الدكتور حاكم حبيب الكريطي عندما اقترح العنوان موضوعا للاطروحة والاشراف عليها ومتابعتها، فاثني عليه بجميل الدعاء، أدامه الله وأبقاه.
وبعد: قصارى ما نتمناه وعرضناه ونقدناه من هذا السفر النفيس لشعر أبي طالب على وفق ما تخيلناه، نظرنا فيه بعين الانصاف متوخين الحقيقة بدقة وحرص شديدين، وما شاء القاريء أن يتخيل صورا نابضة بالحيوية، نسأل الله السداد في التفكير والقول، وأن يلهمنا الصواب والرشاد، ويجنبنا الزلل والعثار، إنه نعم المجيب والحمد لله رب العالمين.
الفهرس
الموضوع |
الصفحة |
المقدمة |
1- 4 |
التمهيد |
5- 31 |
● جانب من حياة أبي طالب |
5 |
● إيمان أبي طالب ومسيرته مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) |
8 |
الفصل الأول: مصادر شعره وتوثيقه |
32- 67 |
- مفتتح الفصل: النحل والوضع في الشعر |
32 |
● ديوان أبي طالب |
33 |
● رواة الديوان |
36 |
● جمع شعره |
37 |
● توثيق شعره |
45 |
الدراسة |
68- 104 |
أولاً: في الموضوع |
68 |
الفصل الثاني: الرثاء والفخر والمديح |
69 |
- مفتتح الفصل: علاقة الرثاء بالفخر والمديح |
69 |
● الرثاء |
70 |
- الندب |
70 |
- التأبين |
74 |
- العزاء |
77 |
● الفخر |
82 |
● المديح |
93 |
الأول: المديح النبوي |
94 |
الثاني: المديح العام |
101 |
الفصل الثالث: العقيدة |
105- 132 |
- مفتتح الفصل: شعر العقيدة |
105 |
● التوحيد |
105 |
● التصديق |
108 |
أولاً: المعجزة |
111 |
ثانيا: النصرة |
115 |
- الحث على الصبر |
122 |
- النصيحة |
124 |
- الوصية |
128 |
الفصل الرابع: العتاب والتحذير والتهديد والهجاء |
133- 159 |
- مفتتح الفصل: علاقة العتاب بالتحذير والتهديد والهجاء |
133 |
● العتاب |
134 |
- العتاب الفردي |
134 |
- العتاب الجماعي |
140 |
● التحذير والتهديد |
145 |
● الهجاء |
153 |
ثانيا: في الفن |
160- 188 |
الفصل الخامس: البناء الفني في شعره |
162 |
- مفتتح الفصل: بناء القصيدة |
162 |
أولاً: القصائد ذوات المقدمات |
163 |
- المقدمة |
163 |
● وصف الهموم والشكوى |
164 |
● الطلل |
168 |
- الغرض |
171 |
● بناء تعدد الأغراض في القصيدة الواحدة |
171 |
ثانيا: بناء القصيدة المباشرة والمقطوعات |
177 |
أ- بناء الغرض البسيط |
178 |
ب- بناء الغرض المركب |
181 |
ثالثا: الرجز |
183 |
أ- بناء الغرض البسيط |
183 |
ب- بناء الغرض المركب |
184 |
الفصل السادس: لغة شعره |
189- 238 |
- مفتتح الفصل: بناء اللغة |
189 |
- الألفاظ |
190 |
● الأعلام |
194 |
أ- أسماء الرجال |
194 |
ب- أسماء النساء |
199 |
جـ- أسماء القبائل |
200 |
● الأمكنة |
203 |
- الصياغة |
209 |
● النفي |
216 |
● التوكيد |
218 |
● الاستفهام |
220 |
● الأمر |
222 |
● النداء |
223 |
- أثر الإسلام في لغة شعره |
225 |
الفصل السابع: الإيقاع في شعره |
239- 274 |
- مفتتح الفصل: اللغة الإيقاعية |
239 |
أولاً: الوزن |
239 |
ثانيا: القافية |
242 |
أ- التجميع |
251 |
ب- الإقواء |
251 |
جـ- الإيطاء |
252 |
- الظواهر الإيقاعية |
253 |
● التكرار |
253 |
أ- التكرار اللفظي |
254 |
ب- التكرار التركيبي |
260 |
جـ- تكرار المعنى |
263 |
● التدوير |
265 |
● الضرائر |
268 |
الفصل الثامن: الصورة الفنية في شعره |
275- 300 |
- مفتتح الفصل: بناء الصورة |
275 |
- مصادر الصورة في شعره |
276 |
- وسائل الصورة البيانية |
283 |
● التشبيه |
284 |
● الكناية |
289 |
● الاستعارة |
297 |
الخاتمة |
301- 304 |
الملاحق: |
305- 314 |
● رقم (1) |
305 |
● رقم (2) المستدرك |
307 |
المصادر والمراجع |
315- 337 |
ملخص الأطروحة باللغة الإنكليزية |