العربية
100%
مسجد الرأس

     هو مكان كبير مستطيل الشكل يقع الآن في الجهة الجنوبية من رواق أبي طالب عليه السلام, إذ تم إلحاقه بالتوسعة الغربية المستحدثة بعد هدم المسجد في عام 1426هـ - 2005م. وتزامناً مع ذكرى الولادة الميمونة للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام افتتحت الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة رواق أبي طالب عليه السلام يوم الخميس الموافق 13رجب1432هـ /2011م, إذ أصبح مسجد الرأس ضمن العمارة الجديدة لهذا الرواق(1).

     وأطلقت هذه التسمية على هذا المسجد إما لكونه يقع من جهة رأس أمير المؤمنين عليه السلام أو بسبب ما أشار اليه الإمام الصادق عليه السلام من ان هذا المكان هو موضع رأس أبي عبدالله الحسين عليه السلام.  

     ورد في كتاب (كامل الزيارات) لإبن قولويه القمي بسنده عن يزيد بن عمر بن طلحة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام وهو بالحيرة: ((أما تريد ما وعدتك, قال: قلت: بلى - يعني الذهاب إلى قبر أمير المؤمنين عليه السلام-, قال: فركب وركب إسماعيل ابنه معه وركبت معهم, حتى إذا جاز الثوية, وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض نزل ونزل إسماعيل ونزلت معهم, فصلى وصلى إسماعيل وصليت, فقال لإسماعيل: قم فسلم على جدك الحسين بن علي عليه السلام, فقلت: جُعلت فداك أليس الحسين عليه السلام بكربلاء, فقال: نعم ولكن لما حُمل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين عليه السلام)).

     وبسنده عن علي بن أسباط قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ((إنك إذا أتيت الغري رأيت قبرين, قبراً كبيراً وقبراً صغيراً, فأما الكبير فقبر أمير المؤمنين, وأما الصغير فرأس الحسين بن علي عليه السلام)) (2).

     وذكر الشيخ محمد حرز الدين في كتابه (معارف الرجال) عن الميرزا هادي الخراساني عن السيد داود الرفيعي عن أبيه عن آبائه: (ان في المسجد الغربي المتصل بالساباط إيوان صغير مربع - في الجدار القبلي بين محراب المسجد والساباط - فيه قبر وعليه شباك فولاذ ثمين وله باب صغيرة وفيها قفل, هو قبر موضع رأس الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهما السلام, كما عليه روايات, وثم ان السيد أوقف الميرزا هادي عليه وكانت عليه أيضا قطعة ستار خضراء وإلى جانب هذا الإيوان صخرة مربعة بخط كوفي, ومنها ان هذا المسجد عُرف بمسجد الرأس بناه غازان بن هولاكو خان, أقام لبنائه سنة كاملة ضارباً خيامه بين النجف ومسجد الحنانة في الثوية حتى أكمله) (3).

    وبالرجوع إلى المصادر التاريخية يتبين ان بناية المسجد القديمة تعود الى نهاية القرن السابع الهجري وتم تجديدها وترميمها مرات عدة في عهد الشاه عباس الأول الصفوي وفي عهد السلطان نادر شاه الأفشاري ومن قبل السيد محمد مهدي بحر العلوم رضوان الله عليه فضلاً عن الإصلاح الأخير الذي أمر به السلطان العثماني عبد الحميد الثاني.

     وجاء في كتاب (مشهد الإمام علي في النجف) للدكتورة سعاد ماهر ما نصه: (وقد أكد لنا رجوع هذا المسجد إلى عهد الإيلخانيين القاشاني الذي عثر عليه في محراب المسجد, وكذا البلاطة التي تعلو مستطيل المحراب... فنستطيع أن نقول إن محراب مسجد الرأس يرجع إلى النصف الثاني من القرن السابع الهجري أو أوائل القرن الثامن, وعلى ذلك فإن المسجد يرجع إلى ذلك التاريخ على أقل تقدير. وبما إن المسجد يعتبر من المباني الملحقة بمشهد الإمام علي عليه السلام, لهذا فإننا نؤيد الرأي القائل بأن العمارة السادسة من عمل الإيلخانيين وأن بعض آثارها ما تزال باقية في مسجد الرأس)(4).

     ووصف الشيخ جعفر محبوبه في كتابه (ماضي النجف وحاضرها) عمارة المسجد القديمة ومحرابه المكون من بلاطات القاشاني ذي البريق المعدني فقال: (وهو مسجد واسع الساحة ضخم الدعائم كثير الأسطوانات متقن البناء بابه في الصحن الشريف في الإيوان الكبير تحت الطاق -الساباط- مقابل الرواق من جهة الرأس الشريف ويتصل بتكية البكتاشية, وهو قديم ويظهر من جدرانه المنضدة بالأحجار الكبيرة انه بُني مع الحرم العلوي, وينسبه البراقي الى الشاه عباس الأول -كما هو الشايع عند النجفيين-, وفي أحد محاريبه صخرة مكتوبة بحروف بارزة ويحسب البعض أن لها شأناً في الطلسمات. وجُدد هذا المسجد سنة 1156هـ مع تذهيب القبة والمأذنتين بأمر رضية سلطان بيكم كما ذكره المؤرخ الفارسي في كتابه تاريخ نادري ص 237 فقال ما ترجمته: بذلت رضية سلطان بيكم بنت الخاقان المبرور شاه حسين -وهي زوجة نادر شاه- عشرين ألف نادري لعمارة مسجد الجامع الذي في جانب الرأس الشريف).

     وورد أيضا: (يُقال انه شُيّد ثانياً في أيام العلّامة السيد بحر العلوم وبأمره, وانه كان يقول لبعض خواصه انه موضع رأس الحسين عليه السلام وان المسجد بُني عليه ولأجله, وفي أيام السلطان عبد الحميد العثماني طُليت جدرانه بأنواع الأصباغ ونُصب فيه منبر من رخام أبيض صقيل, واختص به أهل السنة زمناً وكانوا يقيمون الجماعة فيه في الجمعة والعيدين فقط, وعند تقويض السلطة العثمانية بقي هذا المسجد معطلاً مسدوداً بابه مدة غير يسيرة ثم فُتح بابه وصلّى فيه العلّامة الكبير النائيني, وقد سقطت بعض اسطواناته اليوم فعزمت الحكومة على عمارته وإصلاح أساسه, ويوجد على بابه بيتان وفيهما تأريخ لإصلاحه في عصر السلطان عبد الحميد لم يستقيما وزناً وإعراباً وبعدهما ما نصه : حُرّر في يوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام سنة 1306هـ )(5) .

     وقال الدكتور حسن الحكيم في كتابه (المفصل في تاريخ النجف الأشرف) ما نصه: (وجُددت واجهة المسجد المطلة على دورة الصحن الشريف عام 1990م وزُخرفت على نسق جدران الصحن الخارجية)(6).

     ومن الجدير بالذكر ان بعض العلماء الأعلام في القرن الماضي كانوا يلقون دروسهم الحوزوية في هذا المسجد. يقول السيد عبد المطلب الخرسان في كتابه (مساجد ومعالم في الروضة الحيدرية المطهرة) في هذا الصدد:( وقد سمعتُ ان آية الله العظمى الميرزا محمد حسين النائيني قدس سره كان يؤم الجماعة فيه, وبعده أدركتُ آية الله العظمى السيد جمال الدين الهاشمي الكلبايكاني قدس سره يؤم الجماعة فيه, ثم ابنه آية الله السيد محمد جمال الهاشمي قدس سره ثم ابنه فضيلة العلامة السيد هاشم الهاشمي الذي اعتقلته السلطة أيام الحكم البائد ثم سفرته, فبقي المسجد مغلقاً مهجوراً عدة أعوام. وكان المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم قدس سره يلقي دروسه على طلاب البحث الخارج في هذا المسجد. وأخيراً اتخذه آية الله العظمى الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره مقراً لإلقاء بحوثه فكان يُدرِّس فيه صباحاً ومساءً)(7).