العربية
100%

[6] ومن كتاب له  (عليه السلام) إلى معاوية([1])

 

إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ، وَلا لِلغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ، وَإنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذلِكَ للهِ رِضىً، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أَوْبِدْعَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَاخَرَجَ منه، فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْـمُؤْمِنِينَ، وَوَلاَّهُ اللهُ مَا تَوَلَّى.

وَلَعَمْرِي ، يَا مُعَاوِيَةُ ، لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَـوَاكَ لَتَجِدَنِّي أَبْـرَأَ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمانَ ، وَلَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَةٍ عَنْهُ ، إِلَّا أَنْ تَتَجَنَّى([2]) ؛ فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ ! وَالسَّلاَمُ.

 


[1] ـ رواه بتفاوتٍ يسير كل من المنقري (ت 212) في وقعة صفين: 29، وابن قتيبة (ت 276) في الإمامة والسياسة 1: 84، والبلاذري (ت 279) في أنساب الأشراف: 281، والدينوري (ت 282) في الأخبار الطوال: 163، وابن أعثم الكوفي (ت 314) في الفتوح 2: 894، وابن عبد ربه (ت 328) في العقد الفريد 4: 332 العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم.

وقد استشهد كثير من أهل السنّة بهذا الكلام دعماً لنظرية الإختيار في مسألة الإمامة ، وانّ أميرالمؤمنين (عليه السلام) يعترف بأنّ سبيل الإمامة هو الإختيار، ولكن استدلالهم هذا غير صحيح ويرد عليه:

أ: انّ المعتمد في مسألة الإمامة والمعوّل عليه هو الأدلّة العقلية المدعومة بالنقل الواردة في كتب الكلام، وقد تمّ البرهنة فيها على أنّ الإمامة بالنص دون الإختيار، وما خالفها إمّا أن يرد أو يؤوّل، وعليه لايمكن الاستشهاد علينا بهكذا نصوص مؤوّلة.

ب: إنّ الكلام يفسّر بعضه بعضاً، والمحكمات في كلام أميرالمؤمنين  (عليه السلام) تفسّر متشابهات كلامه، فما ورد عنه  (عليه السلام) في نهج البلاغة وغيره يؤكّد لنا انّ أميرالمؤمنين  (عليه السلام) لم يكن راضياً بما جرى من أمر الخلافة بل كان دائم الشكوى من ذلك، يشهد بذلك قوله  (عليه السلام) : «اللّهمّ إنّي أستعديك على قريش ومن أعانهم، فإنّهم قطعوا رحمي، وصغّروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي» [نهج البلاغة الخطبة رقم 170]. وقال  (عليه السلام): «فَجَزَت قريشاً عنّي الجوازي، فقد قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن أُمي» [نهج البلاغة الكتاب: 36]. وكتب  (عليه السلام) لمعاوية حينما استهزأ به لما اجبر على البيعة: «وقلت إنّي كنت اقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى ابايع، ولعمر الله لقد أردت أن تذمّ فمدحت، وأن تفضح فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكاً في دينه» [نهج البلاغة الكتاب: 28]. فهذه النصوص موجودة أيضاً في نهج البلاغة ولا يمكن تركها والتمسك بالمتشابهات.

ج: كان موقف أميرالمؤمنين  (عليه السلام) هذا موقفاً احتجاجياً، ولم يكن بصدد تبيين الشرعية الإلهية لمسألة الإمامة، بل كان بصدد بيان الشرعية الدنيوية لمسألة الامارة وانّها تنعقد بإجماع الناس، وهذا قد حصل فيه كما حصل في غيره على نحو أضعف، فهو احتجاج على معاوية.

د: أما قوله  (عليه السلام): «فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضاً» فيقصد بالرجل نفسه، كما ذكره الجحاف في إرشاد المؤمنين 3: 20، وفحوى كلامه انّ أهل الشورى التي يعتبرونها طريقاً للإمامة قد اجتمعوا على تسميتي إماماً، فكان إجماعهم على ذلك مطابقاً لحكم الله ورسوله فيَّ فكان لله رضى، ولا يصح أن يقال انّه أراد ما اجتمعوا عليه من إمامتي وإمامة غيري كان لله رضى، لأنّه لم يزل أبد الدهر منكراً لبيعة أبي بكر ومن بعده مظهراً لبطلانها، قائلاً بأنّه لو وجد ناصراً لنقضها بالسيف، فلو كانت لله رضى لما سخطها ولا عزم على نقضها.

[2] ـ تجنّى: ادعى الجناية على من لم يفعلها.