العربية
100%
بَابُ المخُتَْارِ مِنْ خُطب مولانا أمير المؤُمِنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)

الخطبة 89: وتشتمل على قِدم الخالق وعظم مخلوقاته، ويختمها بالوعظ

[89] ومن خطبة له (عليه السلام)([1])

[وتشتمل على قِدم الخالق وعظم مخلوقاته، ويختمها بالوعظ]

[الْـحَمْدُ للهِ] الْـمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ، الْـخَالِقِ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ، الَّذِي لَمْ يَزَلْ قَائِماً دَائِماً؛ إِذْ لَا سَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ، وَلا حُجُبٌ ذَاتُ أَرْتَاجٍ([2])، وَلا لَيْلٌ دَاجٍ، وَلَا بَحْرٌ سَاجٍ([3])، وَلا جَبَلٌ ذُو فِجَاجٍ([4])، وَلا فَجٌّ ذُو اعْوِجَاجٍ، وَلا أَرْضٌ ذَاتُ مِهَادٍ، وَلا خَلْقٌ ذُو اعْتِمَادٍ([5]) ذلِكَ مُبْتَدِعُ الْـخَلْقِ وَوَارِثُهُ، وَإِلٰـهُ الْـخَلْقِ وَرَازِقُهُ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ دَائِبَانِ فِي مَرْضَاتِهِ: يُبْلِيَانِ كُلَّ جَدِيدٍ، وَيُقَرِّبَانِ كُلَّ بَعِيدٍ.

قَسَمَ أَرْزَاقَهُمْ، وَأَحْصَى [أَعْمَارَهُمْ وَ] آثَارَهُمْ وَأَعْمَالَـهُمْ، وَعَدَدَ أنْفَاسِهِمْ، وَخَائِنَةَ أعْيُنِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ مِنَ الضَّمِيرِ، وَمُسْتَقَرَّهُمْ وَمُسْتَوْدَعَهُمْ مِنَ الأَرْحَامِ وَالظُّهُورِ، إِلَى أَنْ تَتَنَاهَى بِهِمُ الْغَايَاتُ.

هُوَ الَّذِي اشْتَدَّتْ نِقْمَتُهُ عَلَى أَعْدَائِهِ فِي سَعَةِ رَحْمَتِهِ، وَاتَّسَعَتْ رَحْمَتُهُ لاَِوْلِيَائِهِ فِي شِدَّةِ نِقْمَتِهِ، قَاهِرُ مَنْ عَازَّهُ، وَمُدَمِّرُ مَنْ شَاقَّهُ([6])؛ وَمُذِلُّ مَنْ نَاوَاهُ، وَغَالِبُ مَنْ عَادَاهُ. مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ، وَمَنْ سَأَلَهُ أَعْطَاهُ، وَمَنْ أَقْرَضَهُ قَضَاهُ، وَمَنْ شَكَرَهُ جَزَاهُ.

عِبَادَ اللهِ، زِنُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُوزَنُوا، وَحَاسِبُوهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَتَنَفَّسُوا قَبْلَ ضِيقِ الْخِنَاقِ، وَانْقَادُوا قَبْلَ عُنْفِ السِّيَاقِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُعَنْ عَلَى نَفْسِهِ([7]) حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِنْهَا وَاعِظٌ وَزَاجِرٌ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا زَاجِرٌ وَلا وَاعِظٌ.

 


[1] ـ فسّر ابـن الأثير (ت 606) في النهايـة 2 : 344 (سجـا) ، قولـه (عليه السلام) : «ولا ليـل داج ولا بحـر سـاج».

[2] ـ الإرتاج: مصدر أرتج أي أغلق، أي ذات إغلاق.

[3] ـ البحر الساجي: الساكن.

[4] ـ الفجاج: جمع فج، وهو الطريق الواسع بين جبلين.

[5] ـ الخَلق: بمعنى المخلوق، وذو اعتماد: البطش والتصرف بقصد وإرادة.

[6] ـ عازّه: غالبه. شاقّه: خالفه ونازعه.

[7] ـ من لم يُعَن على نفسه ـ مبني للمجهول ـ : أي من لم يساعده الله على نفسه حتى يكون لها من وجدانها منبه لم ينفعه تنبيه غيره.