العربية
100%

[90] ومن خطبة له (عليه السلام)

تعرف بخطبة الأشباح([1]) وهي من جلائل الخُطب([2])

روى مسعدة بن صدقة عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) أنّه قال: خطب أميرالمؤمنين (عليه السلام) والصلاة بهذه الخطبة على منبر الكوفة، وذلك أنّ رجلا أتاه فقال له: يا أميرالمؤمنين! صف لنا ربّنا لنزداد له حبّاً وبه معرفة.

فغضب (عليه السلام) ونادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس حتى غصّ المسجد بأهله، فصعد المنبر وهو مغضب متغيّر اللون، فحمد الله سبحانه وصلّى على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ قال:

الْـحَمْدُ للهِ الَّذِي لا يَفِرُهُ الْـمَنْعُ([3])، وَلا يُكْدِيهِ([4]) الإِعْطَاءُ وَالْـجُودُ؛ إِذْ كُلُّ مُعْطٍ مُنْتَقِصٌ سِوَاهُ، وَكُلُّ مَانِعٍ مَذْمُومٌ مَا خَلَاهُ، وَهُوَ الْـمَنَّانُ بِفَوَائِدِ النِّعَمِ، وَعَوائِدِ الْـمَزِيدِ وَالْقِسَمِ، عِيَالُهُ الْـخَلاَئِقُ، ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ، وَقَدَّرَ أَقْوَاتَهُمْ، وَنَهَجَ سَبِيلَ الرَّاغِبِينَ إِلَيْهِ، وَالطَّالِبِينَ مَا لَدَيْهِ، وَلَيْسَ بِمَا سُئِلَ بِأَجْوَدَ مِنْهُ بِمَا لَمْ يُسْأَلْ.

الأَوَّلُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلٌ فَيَكُونَ شَيءٌ قَبْلَهُ، وَالآخِرُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ بَعْدٌ فَيَكُونَ شَيْءٌ بَعْدَهُ، وَالرَّادِعُ أَنَاسِيَّ([5]) الأبْصَارِ عَنْ أَنْ تَنَالَهُ أَوْ تُدْرِكَهُ، مَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ دَهْرٌ فَيَخْتَلِفَ مِنْهُ الحَالُ، وَلا كَانَ فِي مَكَانٍ فَيَجُوزَ عَلَيْهِ الإنتِقَالُ، وَلَوْ وَهَبَ مَاتَنَفَّسَتْ عَنْهُ مَعَادِنُ([6]) الْجِبَالِ، وَضَحِكَتْ عَنْهُ أَصْدَافُ([7]) الْبِحَارِ، مِنْ فِلِزِّ([8]) اللُّجَيْنِ وَالْعِقْيَانِ([9])، وَنُثَارَةِ الدُّرِّ([10]) وَحَصِيدِ الْـمَرْجَانِ([11])، مَا أَثَّرَ ذلِكَ فِي جُودِهِ، وَلا أَنْفَدَ سَعَةَ مَا عِنْدَهُ، وَلَكَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَخَائِرِ الإنْعَامِ مَا لا تُنْفِدُهُ مَطَالِبُ الأَنَامِ، لاَِنَّهُ الْـجَوَادُ الَّذِي لا يَغِيضُهُ سُؤَالُ السَّائِلِينَ، وَلا يُبْخِلُهُ إلْـحَاحُ الْـمُلِحِّينَ.

فَانْظُرْ أَيُّهَا السَّائِلُ: فَمَا دَلَّكَ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ مِنْ صِفَتِهِ فَائْتَمَّ بِهِ وَاسْتَضِىءْ بِنُورِ هِدَايَتِهِ، وَمَا كَلَّفَكَ الشَّيْطَانُ عِلْمَهُ مِمَّا لَيْسَ فِي الْكِتَابِ عَلَيْكَ فَرْضُهُ، وَلا فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَأَئِمَّةِ الْـهُدَى أَثَرُهُ، فَكِلْ عِلْمَهُ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّ ذلِكَ مُنْتَهَى حَقِّ اللهِ عَلَيْكَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ هُمُ الَّذِينَ أَغْنَاهُمْ عَنِ اقْتِحَامِ السُّدَدِ([12]) الْـمَضْرُوبَةِ دُونَ الْغُيُوبِ، الاِقْرَارُ بِجُمْلَةِ مَا جَهِلُوا تَفْسِيرَهُ مِنَ الْغَيْبِ الْـمَحْجُوبِ، فَمَدَحَ اللهُ ـ تَعَالَى ـ اعْتِرَافَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ يُحِيطُوا بِهِ عِلْماً، وَسَمَّى تَرْكَهُمُ التَّعَمُّقَ فِيَما لَمْ يُكَلِّفْهُمُ الْبَحْثَ عَنْ كُنْهِهِ رُسُوخاً، فاقْتَصِرْ عَلَى ذَلِكَ، وَلاَتُقَدِّرْ عَظَمَةَ اللهِ سُبْحَانَهُ عَلَى قَدْرِ عَقْلِكَ فَتَكُونَ مِنَ الْـهَالِكِينَ.

هُوَ الْقَادِرُ الَّذِي إِذَا ارْتَمَتِ([13]) الأَوْهَامُ لِتُدْرِكَ مُنْقَطَعَ قُدْرَتِهِ، وَحَاوَلَ الْفِكْرُ الْـمُبَرَّأُ مِنْ خَطَرَاتِ الْوَسَاوِسِ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ فِي عَمِيقَاتِ غُيُوبِ مَلَكُوتِهِ، وَتَوَلَّـهَتِ([14]) الْقُلُوبُ إِلَيْهِ لِتَجْرِيَ فِي كَيْفِيَّةِ صِفَاتِهِ، وَغَمَضَتْ([15]) مَدَاخِلُ الْعُقُولِ في حَيْثُ لا تَبْلُغُهُ الصِّفَاتُ لِتَنَالَ عِلْمَ ذَاتِهِ، رَدَعَهَا وَهِيَ تَجُوبُ مَهَاوِيَ([16]) سُدَفِ الْغُيُوبِ، مُتَخَلِّصَةً إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ؛ فَرَجَعَتْ إِذْ جُبِهَتْ([17])، مُعْتَرِفَةً بِأَنَّهُ لا يُنَالُ بِجَوْرِ الإعْتِسَافِ([18]) كُنْهُ مَعْرِفَتِهِ، وَلا تَخْطُرُ بِبَالِ أُولِي الرَّوِيَّاتِ([19]) خَاطِرَةٌ مِنْ تَقْدِيرِ جَلاَلِ عِزَّتِهِ. الَّذِي ابْتَدَعَ الْـخَلْقَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ امْتَثَلَهُ، وَلا مِقْدَارٍ احْتَذَى عَلَيْهِ، مِنْ خَالِقٍ مَعْبُودٍ كَانَ قَبْلَهُ، وَأَرَانَا مِنْ مَلَكُوتِ قُدْرَتِهِ، وَعَجَائِبِ مَا نَطَقَتْ بِهِ آثارُ حِكْمَتِهِ، وَاعْتِرَافِ الْـحَاجَةِ مِنَ الْـخَلْقِ إِلَى أَنْ يُقِيمَهَا بِمِسَاكِ([20]) قُوَّتِهِ؛ مَا دَلَّنا بِاضْطِرَارِ قِيَامِ الْـحُجَّةِ لَهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَظَهَرَتْ فِي الْبَدَائِعِ الَّتِي أحْدَثَها آثَارُ صَنْعَتِهِ، وَأَعْلاَمُ حِكْمَتِهِ، فَصَارَ كُلُّ مَا خَلَقَ حُجَّةً لَهُ وَدَلِيلاً عَلَيْهِ؛ وَإِنْ كَانَ خَلْقاً صَامِتاً؛ فَحُجَّتُهُ بِالتَّدْبِيرِ نَاطِقَةٌ، وَدَلاَلَتُهُ عَلَى الْـمُبْدِعِ قَائِمَةٌ.

فَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ شَبَّهَكَ بِتَبَايُنِ أَعْضَاءِ خَلْقِكَ، وَتَلاَحُمِ حِقَاقِ([21]) مَفَاصِلِهِمُ الْـمُحْتَجِبَةِ([22]) لِتَدْبِيرِ حِكْمَتِكَ، لَمْ يَعْقِدْ غَيْبَ ضَمِيرِهِ عَلَى مَعْرِفَتِكَ، وَلَمْ يُبَاشِرْ قَلْبَهُ الْيَقِينُ بِأَنَّهُ لاَنِدَّ لَكَ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ تَبَرُّؤَ التَّابِعِينَ مِنَ الْـمَتْبُوْعِينَ إِذْ يَقُولُونَ: «تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ».

كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِكَ، إِذْ شَبَّهُوكَ بِأَصْنَامِهِمْ وَنَحَلُوكَ حِلْيَةَ المخْلُوقِينَ بِأَوْهَامِهمْ، وَجَزَّأُوكَ تَجْزِئَةَ الْـمُجَسَّماتِ بِخَوَاطِرِهِمْ، وَقَدَّرُوكَ عَلَى الْـخِلْقَةِ الْـمُخْتَلِفَةِ الْقُوَى بِقَرَائِح([23]) عُقُولِـهِمْ. فَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ سَاوَاكَ بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِكِ فَقَدْ عَدَلَ بِكَ، وَالْعَادِلُ بِكَ كَافِرٌ بِمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ مُحْكَمَاتُ آياتِكَ، وَنَطَقَتْ عَنْهُ شَوَاهِدُ حُجَجِ بَيِّنَاتِكَ، وَإِنَّكَ أَنْتَ اللهُ الَّذِي لَمْ تَتَنَاهَ فِي الْعُقُولِ، فَتَكُونَ في مَهَبِّ فِكْرِهَا مُكَيَّفاً، وَلا فِي رَوِيَّاتِ خَوَاطِرِهَا مَحْدُوداً مُصَرَّفاً.

 

منها

قَدَّرَ مَا خَلَقَ فَأَحْكَمَ تَقْدِيرَهُ، وَدَبَّرَهُ فَأَلْطَفَ تَدْبِيرَهُ، وَوَجَّهَهُ لِوِجْهَتِهِ فَلَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ مَنْزِلَتِهِ، وَلَمْ يَقْصُرْ دُونَ الإِنْتِهَاءِ إِلى غَايَتِهِ، وَلَمْ يَسْتَصْعِبْ إِذْ أُمِرَ بِالْـمُضِيِّ عَلَى إِرَادَتِهِ، وَكَيْفَ وَإِنَّمَا صَدَرَتِ الأمُورُ عَنْ مَشيئَتِهِ! الْـمُنْشِىءُ أصْنَافَ الأَشْيَاءِ بِلاَ رَوِيَّةِ فِكْرٍ آلَ إِلَيْهَا، وَلا قَريحَةِ غَرِيزَةٍ([24]) أَضْمَرَ عَلَيْهَا، وَلا تَجْرِبَةٍ أَفَادَهَا مِنْ حَوَادِثِ الدُّهُورِ، وَلا شَرِيكٍ أَعَانَهُ عَلَى ابْتِدَاعِ عَجَائِبِ الأُمُورِ، فَتَمَّ خَلْقُهُ، وَأَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ، وَأَجَابَ إِلى دَعْوَتِهِ، لَم يَعْتَرِضْ دُونَهُ رَيْثُ الْـمُبْطِىءِ، وَلا أَنَاةُ الْـمُتَلَكِّىءِ، فَأَقَامَ مِنَ الأشْيَاءِ أَوَدَهَا، وَنَهَجَ([25]) حُدُودَهَا، وَلاَءَمَ بِقُدْرَتِهِ بَيْنَ مُتَضَادِّهَا، وَوَصَلَ أَسْبَابَ قَرَائِنِهَا([26])، وَفَرَّقَهَا أَجْنَاساً مُخْتَلِفَاتٍ فِي الْـحُدُودِ وَالأَقْدَارِ، وَالْغرَائِزِ وَالْـهَيْئَاتِ، بَدَايَا([27]) خَلاَئِقَ أَحْكَمَ صُنْعَهَا، وَفَطَرَهَا عَلَى مَا أَرَادَ وَابْتَدَعَهَا!

 

منها: في صفة السماء

وَنَظَمَ بِلاَ تَعْلِيقٍ رَهَوَاتِ فُرَجِهَا([28])، وَلاَحَمَ صُدُوعَ انْفِرَاجِهَا، وَوَشَّجَ([29]) بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَزْوَاجِهَا، وَذَلَّلَ لِلْهَابِطِينَ بِأَمْرِهِ، وَالْصَّاعِدِينَ بِأَعْمَالِ خَلْقِهِ حُزُونَةَ مِعْرَاجِهَا، وَنَادَاهَا بَعْدَ إِذْ هِيَ دُخَانٌ، فَالْتَحَمَتْ عُرَى أَشْرَاجِهَا([30])، وَفَتَقَ بَعْدَ الإرْتِتَاقِ([31]) صَوَامِتَ أَبْوَابِهَا([32])، وَأَقَامَ رَصَداً مِنَ الشُّهُبِ الثَّوَاقِبِ عَلَى نِقَابِهَا([33])، وَأَمْسَكَهَا مِنْ أَنْ تَمُورَ([34]) فِي خَرْقِ الْـهَوَاءِ بِأَيْدِهِ، وَأَمَرَهَا أَنْ تَقِفَ مُسْتَسْلِمَةً لاَِمْرِهِ، وَجَعَلَ شَمْسَهَا آيَةً مُبْصِرَةً لِنَهَارِهَا، وَقَمَرَهَا آيَةً مَمْحُوَّةً مِنْ لَيْلِهَا، وَأَجْرَاهُمَا فِي مَنَاقِلِ مَجْرَاهُمَا، وَقَدَّرَ مَسِيَرهُما فِي مَدَارِجِ دَرَجِهِمَا، لِيُمَيِّزَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِهِمَا، وَلِيُعْلَمَ عَدَدُ السِّنِينَ والْحِسَاب بِمَقَادِيرِهِمَا، ثُمَّ عَلَّقَ فِي جَوِّهَا فَلَكَهَا، وَنَاطَ بِهَا زِينَتَهَا مِنْ خَفِيَّاتِ دَرَارِيِّهَا([35])، وَمَصَابِيحِ كَوَاكِبِهَا، وَرَمَى مُسْتَرِقِي السَّمْعِ بِثَوَاقِبِ شُهُبِهَا، وَأَجْرَاها عَلَى أَذْلاَلِ([36]) تَسْخِيرِهَا مِنْ ثَبَاتِ ثَابِتِهَا، وَمَسِيرِ سَائِرِهَا، وهُبُوطِهَا وَصُعُودِهَا، وَنُحُوسِهَا وَسُعُودِهَا.

 

ومنها: في صفة الملائكة

ثُمَّ خَلَقَ سُبْحَانَهُ لاِِسْكَانِ سَمَاوَاتِهِ، وَعِمَارَةِ الصَّفِيحِ([37]) الأعْلَى مِنْ مَلَكُوتِهِ، خَلْقاً بَدِيعاً مِنْ مَلاَئِكَتِهِ، وَمَلأَ بِهِمْ فُرُوجَ فِجَاجِهَا([38])، وَحَشَا بِهِمْ فُتُوقَ أَجْوَائِهَا([39])، وَبَيْنَ فَجَوَاتِ تِلْكَ الْفُرُوجِ زَجَلُ([40]) الْـمُسَبِّحِينَ مِنْهُمْ فِي حَظَائِرِ الْقُدُسِ([41])، وَسُتُرَاتِ([42]) الْـحُجُبِ، وَسُرَادِقَاتِ([43]) الْـمَجْدِ، وَوَرَاءَ ذلِكَ الرَّجِيجِ([44]) الَّذِي تَسْتَكُّ مِنْهُ الأسْمَاعُ([45]) سُبُحَاتُ نُورٍ([46]) تَرْدَعُ الأبْصَارَ عَنْ بُلُوغِهَا، فَتَقِفُ خَاسِئَةً([47]) عَلَى حُدُودِهَا.

أَنْشَأَهُمْ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَاتٍ، وَأَقْدَارٍ مُتَفَاوِتَاتٍ، أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاَثَ تُسَبِّحُ جَلاَلَ عِزَّتِهِ، لا يَنْتَحِلُونَ مَا ظَهَرَ فِي الْـخَلْقِ مِنْ صُنْعِهِ، وَلا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَخْلُقُونَ شَيْئاً مَعَهُ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ، «بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأمْرِهِ يَعْمَلُونَ».

جَعَلَهُمُ اللهُ فِيَما هُنَالِكَ أَهْلَ الأمَانَةِ عَلَى وَحْيِهِ، وَحَمَّلَهُمْ إِلى الْـمُرْسَلِينَ وَدَائِعَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَعَصَمَهُمْ مِنْ رَيْبِ الشُّبُهَاتِ، فَمَا مِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ سَبِيلِ مَرْضَاتِهِ، وَأَمَدَّهُمْ بِفَوَائِدِ الْـمَعُونَةِ، وَأَشْعَرَ قُلُوبَهُمْ تَوَاضُعَ إِخْبَاتِ السَّكِينَةِ، وَفَتَحَ لَـهُمْ أَبْوَاباً ذُلُلاً([48]) إِلى تَمَاجِيدِهِ، وَنَصَبَ لَـهُمْ مَنَاراً وَاضِحَةً عَلَى أَعْلاَمِ تَوْحِيدِهِ، لَمْ تُثْقِلْهُمْ مُوصِرَاتُ([49]) الآثَامِ، وَلَمْ تَرْتَحِلْهُمْ عُقَبُ اللَّيَالِـي وَالأيَّامِ، وَلَمْ تَرْمِ الشُّكُوكُ بِنَوَازِعِهَا([50]) عَزِيمَةَ إِيمَانِهمْ، وَلَمْ تَعْترِكِ([51]) الظُّنُونُ عَلَى مَعَاقِدِ يَقِينِهمْ، وَلا قَدَحَتْ قَادِحَةُ الإِحَنِ([52]) فِيَما بَيْنَهُمْ، وَلا سَلَبَتْهُمُ الْـحَيْرَةُ مَا لاَقَ([53]) مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِضَمَائِرِهمْ، وَسَكَنَ مِنْ عَظَمَتِهِ وَهَيبَةِ جَلاَلَتِهِ فِي أَثْنَاءِ صُدُورِهِمْ، وَلَمْ تَطْمَعْ فِيهِمُ الْوَسَاوِسُ فَتَقْتَرِعَ بِرَيْنِهَا([54]) عَلى فِكْرِهمْ.

مِنْهُمْ مَنْ هُوَ في خَلْقِ الْغَمَامِ الدُّلَّحِ([55])، وَفي عِظَمِ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ([56])، وَفي قَتْرَةِ الظَّلاَمِ الأيْهَمِ([57]). وَمِنْهُمْ مَنْ قَدْ خَرَقَتْ أَقْدَامُهُمْ تُخُومَ([58]) الأرْضِ السُّفْلَى، فَهِيَ كَرَايَاتٍ بِيضٍ قَدْ نَفَذَتْ فِي مَخَارِقِ([59]) الْـهَوَاءِ، وَتَحْتَهَا رِيحٌ هَفَّافَةٌ([60]) تَحْبِسُهَا عَلَى حَيْثُ انْتَهَتْ مِنَ الْـحُدُودِ الْـمُتَنَاهِيَةِ؛ قَدِ اسْتَفْرَغَتْهُمْ([61]) أَشْغَالُ عِبَادَتِهِ، ووَسَّلَت حَقَائِقُ الإِيمَانِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَعْرِفَتِهِ، وَقَطَعَهُمُ الْإِيقَانُ بِهِ إِلى الْوَلَهِ إِلَيْهِ، وَلَمْ تُجَاوِزْ رَغَبَاتُهُمْ مَا عِنْدَهُ إِلى مَا عِنْدَ غَيْرِهِ.

قَدْ ذَاقُوا حَلاَوَةَ مَعْرِفَتِهِ، وَشَرِبُوا بِالْكَأسِ الرَّوِيَّةِ([62]) مِنْ مَحَبَّتِهِ، وَتَمَكَّنَتْ مِنْ سُوَيْدَاءِ قُلُوبِهمْ وَشِيجَةُ([63]) خِيفَتِهِ، فَحَنَوْا بِطُولِ الطَّاعَةِ اعْتِدَالَ ظُهُورِهمْ، وَلَمْ يُنْفِدْ طُولُ الرَّغْبَةِ إِلَيْهِ مَادَّةَ تَضَرُّعِهِمْ، وَلا أَطْلَقَ عَنْهُمْ عَظِيمُ الزُّلْفَةِ رِبَقَ([64]) خُشُوعِهمْ، وَلَمْ يَتَوَلَّـهُمُ الإِعْجَابُ فَيَسْتَكْثِرُوا مَا سَلَفَ مِنْهُمْ، وَلا تَرَكَتْ لَـهُمُ اسْتِكَانَةُ الإِجْلَالِ نَصِيْبَاً فِي تَعْظِيمِ حَسَنَاتِهمْ، وَلَمْ تَجْرِ الْفَترَاتُ([65]) فِيهِمْ عَلَى طُولِ دُؤُوبِهِمْ، وَلَمْ تَغِضْ([66]) رَغَبَاتُهُمْ فَيُخَالِفُوا عَنْ رَجَاءِ رَبِّهِمْ، وَلَمْ تَجِفَّ لِطُولِ الْـمُنَاجَاةِ أَسْلَاتُ([67]) أَلْسِنَتِهمْ، وَلا مَلَكَتْهُمُ الأَشْغَالُ فَتَنْقَطِعَ بِهَمْسِ الْـخَبَر إِلَيْهِ أَصْواتُهُمْ، وَلَمْ تَخْتَلِفْ فِي مَقَاوِمِ([68]) الطّاعَةِ مَناكِبُهُمْ، وَلَمْ يَثْنُوا إِلَى رَاحَةِ التَّقْصِيرِ فِي أَمْرِهِ رِقَابَهُمْ، وَلا تَعْدُوا عَلَى عَزِيمَةِ جِدِّهِم بَلاَدَةُ الْغَفَلاَتِ، وَلا تَنْتَضِلُ([69]) فِي هِمَمِهِمْ خَدَائِعُ الشَّهَوَاتِ.

قَدِ اتَّخَذُوا ذَا الْعَرْشِ([70]) ذَخِيرَةً لِيَومِ فَاقَتِهمْ، وَيَمَّمُوهُ([71]) عِنْدَ انْقِطَاعِ الْـخَلْقِ إِلى الـمَخْلُوقِينَ بِرَغْبَتِهمْ، لا يَقْطَعُونَ أَمَدَ غَايَةِ عِبَادَتِهِ، وَلا يَرْجِعُ بِهمُ الاِسْتِهْتَارُ([72]) بِلُزُومِ طَاعَتِهِ، إِلاَّ إِلَى مَوَادَّ([73]) مِنْ قُلُوبِهمْ غَيْرِ مُنْقَطِعَةٍ مِنْ رَجَائِهِ وَمَخَافَتِهِ، لَمْ تَنْقَطِعْ أَسْبَابُ الشَّفَقَةِ مِنْهُمْ فَيَنُوا([74]) في جِدِّهِمْ، وَلَمْ تَأْسِرْهُمُ الأطْمَاعُ فَيُؤْثِرُوا وَشِيكَ السَّعْىِ([75]) عَلَى اجْتِهَادِهِمْ. ولَمْ يَسْتَعْظِمُوا مَا مَضَى مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوِ اسْتَعْظَمُوا ذلِكَ لَنَسَخَ الرَّجَاءُ مِنْهُمْ شَفَقَاتِ([76]) وَجَلِهِمْ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي رَبِّهِمْ بِاسْتِحْوَاذِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُفَرِّقْهُمْ سُوءُ التَّقَاطُعِ، وَلاَتَوَلاّهُمْ غِلُّ التَّحَاسُدِ، وَلا تَشَعَّبَتْهُمْ مَصَارِفُ الرِّيَبِ([77])، وَلا اقْتَسَمَتْهُمْ أَخْيَافُ الْهِمَمِ([78])، فَهُمْ أُسَرَاءُ إِيمَانٍ لَمْ يَفُكَّهُمْ مَنْ رِبْقَتِهِ زَيغٌ وَلا عُدُولٌ وَلا وَنًى وَلا فُتُورٌ، وَلَيْسَ في أَطْبَاقِ السَّمَاوَاتِ مَوْضِعُ إِهَابٍ([79]) إِلاَّ وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ، أَوْ سَاعٍ حَافِدٌ([80])، يَزْدَادُونَ عَلَى طُولِ الطَّاعَةِ بِرَبِّهِمْ عِلْماً، وَتَزْدَادُ عِزَّةُ رَبِّهِمْ فِي قُلُوبِهِمْ عِظَماً.

 

ومنها: في صفة الأرض ودحوها على الماء

كَبَسَ الأرْضَ عَلى مَوْرِ([81]) أَمْوَاجٍ مُسْتَفْحِلَةٍ، وَلُـجَجِ بِحَارٍ زَاخِرَةٍ([82])، تَلْتَطِمُ أَوَاذِيُّ([83]) أمْوَاجِهَا، وَتَصْطَفِقُ([84]) مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِها([85])، وَتَرْغُو([86]) زَبَداً كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِيَاجِهَا، فَخَضَعَ جِمَاحُ الْـمَاءِ([87]) الْـمُتَلاَطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِهَا، وَسَكَنَ هَيْجُ ارْتِمَائِهِ([88]) إِذْ وَطِئَتْهُ بِكَلْكَلِهَا([89])، وَذَلَّ مُسْتَخْذِياً([90]) إِذْ تَمعَّكَتْ([91]) عَلَيْهِ بِكَوَاهِلِهَا([92])، فَأَصْبَحَ بَعْدَ اصْطِخَابِ([93]) أَمْوَاجِهِ، سَاجِياً([94]) مَقْهُوراً، وَفِي حَكَمَةِ([95]) الذُّلِّ مُنْقَاداً أَسِيراً، وَسَكَنَتِ الأرْضُ مَدْحُوَّةً([96]) فِي لُـجَّةِ تَيَّارِهِ([97])، وَرَدَّتْ مِنْ نَخْوَةِ بَأْوِهِ([98]) وَاعْتِلاَئِهِ، وَشُمُوخِ أَنْفِهِ وَسُمُوِّ غُلَوَائِهِ([99])، وَكَعَمَتْهُ([100]) عَلَى كِظَّةِ([101]) جَرْيَتِهِ، فَهَمَدَ([102]) بَعْدَ نَزَقَاتِهِ([103])، وبَعْدَ زَيَفَانِ([104]) وَثَبَاتِهِ.

فَلَمَّا سَكَنَ هَيْجُ الْـمَاءِ مِنْ تَحْتِ أَكْنَافِهَا، وَحَمَلَ شَوَاهِقَ الْجِبَالِ الْبُذَّخِ([105]) عَلَى أَكْتَافِهَا، فَجَّرَ يَنَابِيعَ الْعُيُونِ مِنْ عَرَانِينِ([106]) أُنُوفِهَا، وَفَرَّقَهَا فِي سُهُوبِ([107]) بِيْدِهَا([108]) وَأَخَادِيدِهَا([109])، وَعَدَّلَ حَرَكَاتِهَا بِالرَّاسِيَاتِ مِنْ جَلاَمِيدِهَا، وَذَوَاتِ الشَّنَاخِيبِ الشُّمِّ([110]) مِنْ صَيَاخِيدِهَا([111])، فَسَكَنَتْ مِنَ الميَدَانِ([112]) بِرُسُوبِ الْجِبَالِ فِي قِطَعِ أَدِيمِهَا([113])، وَتَغَلْغُلِهَا مُتَسَرِّبَةً([114]) في جَوْبَاتِ خَيَاشِيمِهَا([115])، وَرُكُوبِهَا أَعْنَاقَ سُهُولِ الأَرَضِينَ وَجَرَاثِيمِهَا([116])، وَفَسَحَ بَيْنَ الْـجَوِّ وَبَيْنَهَا، وَأَعَدَّ الْـهَوَاءَ مُتَنَسَّماً([117]) لِسَاكِنِهَا، وَأَخْرَجَ إِلَيْهَا أَهْلَهَا عَلَى تَمَامِ مَرَافِقِها([118]). ثُمَّ لَمْ يَدَعْ جُرُزَ الأَرْضِ([119]) الَّتِي تَقْصُرُ مِيَاهُ الْعُيُونِ عَنْ رَوَابِيهَا([120])، وَلا تَجِدُ جَدَاوِلُ الأَنْهَارِ ذَرِيعَةً([121]) إِلى بُلُوغِهَا، حَتَّى أَنْشَأَ لَـهَا نَاشِئَةَ سَحَابٍ([122]) تُحْيِي مَوَاتَهَا، وَتَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا، أَلَّفَ غَمَامَهَا بَعْدَ افْتِرَاقِ لُـمَعِهِ ([123])، وَتَبَايُنِ قَزَعِهِ([124]). حَتَّى إِذَا تَمَخَّضَتْ([125]) لُـجَّةُ الْـمُزْنِ([126]) فِيهِ، وَالْـتَمَعَ بَرْقُهُ في كُفَفِهِ([127])، وَلَمْ يَنَمْ وَمِيضُهُ([128]) فِي كَنَهْوَرِ رَبَابِهِ([129])، وَمُترَاكِمِ سَحَابِهِ، أَرْسَلَهُ سَحّاً([130]) مُتَدَارِكَاً، قَدْ أَسَفَّ هَيْدَبُهُ([131])، تَمْرِيهِ([132]) الْـجَنُوبُ دِرَرَ([133]) أَهَاضِيبِهِ([134])، وَدُفَعَ شَآبِيبِهِ([135]).

فَلَمَّا أَلْقَتِ السَّحَابُ بَرْكَ بِوَانَيْهَا([136])، وَبَعَاعَ([137]) مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ الْعِبْءِ الْـمَحْمُولِ عَلَيْهَا، أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوَامِدِ الأَرْضِ النَّبَاتَ، وَمِنْ زُعْرِ([138]) الْجِبَالِ الأَعْشَابَ، فَهِيَ تَبْهَجُ بِزِينَةِ رِيَاضِهَا، وَتَزْدَهِي([139]) بِمَا أُلْبِسَتْهُ مِنْ رَيْطِ([140]) أَزَاهِيرِهَا، وَحِلْيَةِ مَا سُمِطَتْ([141]) بِهِ مِنْ نَاضِرِ أَنْوَارِهَا([142])، وَجَعَلَ ذلِكَ بَلاَغاً لِلأَنَامِ، وَرِزْقاً لِلأَنْعَامِ، وَخَرَقَ الْفِجَاجَ فِي آفَاقِهَا، وَأَقَامَ المَنَارَ لِلسَّالِكِينَ عَلَى جَوَادِّ طُرُقِهَا([143]).

فَلَمَّا مَهَدَ([144]) أَرْضَهُ، وَأَنْفَذَ أَمْرَهُ، اخْتَارَ آدَمَ (عليه السلام)، خِيَرَةً مِنْ خَلْقِهِ، وَجَعَلَهُ أَوّلَ جِبِلَّتِهِ، وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ، وَأَرْغَدَ فِيهَا أُكُلَهُ، وَأَوْعَزَ إِلَيْهِ فِيَما نَهَاهُ عَنْهُ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ فِي الاِقْدَامِ عَلَيْهِ التَّعَرُّضَ لِـمَعْصِيَتِهِ، وَالْـمُخَاطَرَةَ بِمَنْزِلَتِهِ؛ فَأَقْدَمَ عَلَى مَا نَهَاهُ عَنْهُ([145])ـ مُوَافَاةً لِسَابِقِ عِلْمِهِ([146]) ـ فَأَهْبَطَهُ بَعْدَ التَّوْبَــةِ لِيَعْمُرَ أَرْضَـهُ بِنَسْلِهِ ، وَلِيُقِيمَ الْـحُجَّـةَ بهِ عَلَى عِبَـادِهِ ، ولَمْ يُخْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَيْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِيَّتِهِ، وَيَصِلُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَعْرِفَتِهِ، بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بِالْـحُجَجِ عَلَى أَلْسُنِ الْخِيَرَةِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ، وَمُتَحَمِّلِي وَدَائِعِ رِسَالاَتِهِ، قَرْناً فَقَرْناً، حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) حُجَّتُهُ، وَبَلَغَ الْـمَقْطَعَ([147]) عُذْرُهُ وَنُذُرُهُ، وَقَدَّرَ الأَرْزَاقَ فَكَثَّرَهَا وَقَلَّلَهَا،وَقَسَّمَهَا عَلَى الضِّيقِ والسَّعَةِ فَعَدَلَ فِيهَا لِيَبْتَلِيَ مَنْ أَرَادَ بِمَيْسُورِهَا وَمَعْسُورِهَا، وَلِيَخْتَبِرَ بِذلِكَ الشُّكْرَ والصَّبْرَ مِنْ غَنِيِّهَا وَفَقِيرِهَا، ثُمَّ قَرَنَ بِسَعَتِهَا عَقَابِيلَ فَاقَتِهَا([148])، وَبِسَلاَمَتِهَا طَوَارِقَ آفَاتِهَا، وَبِفُرَجِ([149]) أَفْرَاحِهَا غُصَصَ أَتْرَاحِهَا([150]).

وَخَلَقَ الآجَالَ فَأَطَالَهَا وَقَصَّرَهَا، وَقَدَّمَهَا وَأَخَّرَهَا، وَوَصَلَ بِالْـمَوْتِ أَسْبَابَهَا([151])، وَجَعَلَهُ خَالِجاً لأَِشْطَانِهَا([152])، وَقَاطِعاً لِـمَرَائِرِ أَقْرَانِهَا([153]).

عَالِمُ السِّرِّ([154]) مِنْ ضَمَائِرِ الْـمُضْمِرِينَ، وَنَجْوَى الْـمُتَخَافِتِينَ([155])، وَخَوَاطِرِ رَجْمِ الظُّنُونِ، وَعُقَدِ عَزِيمَاتِ([156]) الْيَقِينِ، وَمَسَارِقِ إِيمَاضِ([157]) الْـجُفُونِ، وَمَا ضَمِنَتْهُ أَكْنَانُ([158]) الْقُلُوبِ، وَغَيَابَاتُ الْغُيُوبِ ، وَمَا أَصْغَتْ لاِسْتِرَاقِهِ مَصَائِخُ([159]) الأسْمَاعِ، وَمَصَائِفُ الذَّرِّ([160])، وَمَشَاتِي الْـهَوَامِّ، وَرَجْعِ الْـحَنِينِ([161]) مِنَ الْـمُولَهَاتِ([162])، وَهَمْسِ الأَقْدَامِ([163])، وَمُنْفَسَحِ الـثَّمَرَةِ مِنْ وَلاَئِجِ غُلُفِ الأَكْمَامِ([164])، وَمُنْقَمَعِ الْوُحُوشِ مِنْ غِيرَانِ([165]) الْجِبَالِ وَأَوْدِيَتِهَا، وَمُخْتَبـَإِ الْبَعُوضِ بَيْنَ سُوقِ الأشْجَارِ وَأَلْحِيَتِهَا([166])، وَمَغْرِزِ الأوْرَاقِ مِنَ الأَفْنَانِ([167])، وَمَحَطِّ الأمْشَاجِ([168]) مِنْ مَسَارِبِ الأَصْلَابِ([169])، وَنَاشِئَةِ الْغُيُومِ وَمُتَلَاحِمِهَا، وَدُرُورِ قَطْرِ السَّحَائِبِ في مُتَرَاكِمِهَا، وَمَا تَسْفِي الأَعَاصِيرُ([170]) بِذُيُولِـهَا، وَتَعْفُو الأَمْطَارُ بِسُيُولِـهَا، وَعَوْمِ([171]) بَنَاتِ الأرضِ([172]) فِي كُثْبَانِ الرِّمَالِ، وَمُسْتَقَرِّ ذَوَاتِ الأَجْنِحَةِ بِذُرَا شَنَاخِيبِ([173]) الْجِبَالِ، وَتَغْرِيدِ ذَوَاتِ الْـمَنْطِقِ فِي دَيَاجِيرِ([174]) الأوْكَارِ، وَمَا أوْعَتْهُ الأصْدَافُ، وَحَضَنَتْ عَلَيْهِ أَمْوَاجُ الْبِحَارِ، وَمَا غَشِيَتْهُ سُدْفَةُ([175]) لَيْلٍ، أَوْ ذَرَّ([176]) عَلَيْهِ شَارِقُ نَهَارٍ، وَمَا اعْتَقَبَتْ عَلَيْهِ أَطْبَاقُ الدَّيَاجِيرِ([177])، وَسُبُحَاتُ النُّورِ([178])، وَأَثَرِ كُلِّ خَطْوَةٍ، وَحِسِّ كُلِّ حَرَكَةٍ، وَرَجْعِ كُلِّ كَلِمَةٍ، وَتَحْرِيكِ كُلِّ شَفَةٍ، وَمُسْتَقَرِّ كُلِّ نَسَمَةٍ، وَمِثْقَالِ كُلِّ ذَرَّةٍ، وَهَمَاهِمِ([179]) كُلِّ نَفْسٍ هَامَّةٍ، وَمَا عَلَيْهَا مِنْ ثَمَرِ شَجَرَةٍ، أَوْ ساقِطِ وَرَقَةٍ، أَوْ قَرَارَةِ نُطْفَةٍ، أوْ نُقَاعَةِ([180]) دَمٍ وَمُضْغَةٍ، أَوْ نَاشِئَةِ خَلْقٍ وَسُلَالَةٍ.

لَمْ تَلْحَقْهُ فِي ذلِكَ كُلْفَةٌ، وَلا اعْترَضَتْهُ فِي حِفْظِ مَا ابْتَدَعَ مِنْ خَلْقِهِ عَارِضَةٌ، وَلا اعْتَوَرَتْهُ فِي تَنْفِيذِ الأُمُورِ وَتَدَابِيرِ الْـمَخلُوقِينَ مَلَالَةٌ وَلا فَتْرَةٌ، بَلْ نَفَذَهُمْ عِلْمُهُ، وَأَحْصَاهُمْ عَدَدُهُ، وَوَسِعَهُمْ عَدْلُهُ، وَغَمَرَهُمْ فَضْلُهُ، مَعَ تَقْصِيرِهِمْ عَنْ كُنْهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ.

اللَّهُمَّ أَنْتَ أَهْلُ الْوَصْفِ الْـجَمِيلِ، وَالتَّعْدَادِ الْكَثِيرِ، إِنْ تُؤَمَّلْ فَخَيْرُ مَأْمُولٍ، وَإِنْ تُرْجَ فأَكْرَمُ مَرْجُوٍّ. اللَّهُمَّ وَقَدْ بَسَطْتَ لِي فِيَما لا أَمْدَحُ بِهِ غَيْرَكَ، وَلا أُثْنِي بِهِ عَلَى أَحَدٍ سِوَاكَ، وَلا أُوَجِّهُهُ إِلَى مَعَادِنِ الْـخَيْبَةِ وَمَوَاضِعِ الرِّيبَةِ، وَعَدَلْتَ بِلِسَاني عَنْ مَدَائِحِ الآدَمِيِّينَ؛ وَالثَّنَاءِ عَلَى الْـمَرْبُوبِينَ الْـمَخْلُوقِينَ. اللَّهُمَّ وَلِكُلِّ مُثْنٍ عَلَى مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ مَثُوبَةٌ مِنْ جَزَاءٍ، أَوْ عَارِفةٌ مِنْ عَطَاءٍ؛ وَقَدْ رَجَوْتُكَ دَلِيلاً عَلَى ذَخَائِرِ الرَّحْمَةِ وَكُنُوزِ الْـمَغْفِرَةِ. اللَّهُمَّ وَهذَا مَقَامُ مَنْ أَفْرَدَكَ بِالتَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ لَكَ، وَلَمْ يَرَ مُستَحِقّاً لِهذِهِ المحَامِدِ وَالْـمَمادِحِ غَيْرَكَ، وَبِي فَاقَةٌ إِلَيْكَ لا يَجْبُرُ مَسْكَنَتَهَا إِلَّا فَضْلُكَ، وَلا يَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا إِلاَّ مَنُّكَ وَجُودُكَ، فَهَبْ لَنَا فِي هذَا الْـمَقَامِ رِضَاكَ، وَأَغْنِنَا عَنْ مَدِّ الأَيدِي إِلَى مَن سِوَاكَ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ!

 


[1] ـ الأشباح: الأشخاص، والمراد بهم هاهنا الملائكة.

[2] ـ روى ابن عبد ربه (ت 328) في العقد الفريد 4: 143 كتاب الخطب؛ قطعة منها، ورواها الشيخ الصدوق (ت 381) في كتاب التوحيد: 49 ح 13 وقال: «حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقاق (رحمه الله)، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدّثني عليّ بن العباس، قال: حدّثني إسماعيل بن مهران الكوفي، عن إسماعيل بن إسحاق الجهني، عن فرج بن فروة، عن مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول:...». ورواها باختلاف السيد أبو طالب (ت 424) في تيسير المطالب: 137 [نقلاً عن نهج السعادة 1: 548] وقال: «أخبرنا أبي رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا محمّد بن عبدالله بن سلام، قال: أخبرنا أبي، قال: حدّثنا إبراهيم بن سليمان، قال: حدّثنا عليّ بن الخطاب الخثعمي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد الأنصاري، عن بشير، عن زيد بن أسلم، قال: انّ رجلاً سأل أميرالمؤمنين (عليه السلام)...». وأورد الزمخشري (ت 538) ما يتعلّق بصفة الملائكة في كتابه ربيع الأبرار 1: 310، وأشار إليها السيد ابن طاووس (ت 664) في فرج المهموم: 56 وقال: «ما يحتاج لفظها الباهر ومعناها الظاهر الى اسناد متواتر، بل هي شاهدة لنفسها انّها من كلام مولانا (عليه السلام)، ومن شريف أنفاسه المكملة في قدسها». وشرح غريبها ابن الأثير (ت 606) في النهاية، وابن المنظور (ت711) في لسان العرب.

 ثم انّ ابن أبي الحديد في شرحه 6: 425 علّق على قوله (عليه السلام) في صفة الملائكة قائلاً: «إذا جاء هذا الكلام الرباني، واللفظ القدسي، بطلت فصاحة العرب، وكانت نسبة الفصيح من كلامها إليه نسبة التراب الى النضار الخالص، ولو فرضنا أنّ العرب تقدر على الألفاظ الفصيحة المناسبة، أو المقاربة لهذه الألفاظ، من أين لهم المادة التي عبّرت هذه الألفاظ عنها؟... فثبت أنّ هذه الاُمور الدقيقة في مثل هذه العبارة الفصيحة، لم تحصل إلاّ لعليّ وحده، واُقسم أنّ هذا الكلام إذا تأمّله اللبيب اقشعرّ جلده، ورجف قلبه، واستشعر عظمة الله العظيم في روعه وخلده، وهام نحوه وغلب الوجد عليه، وكاد أن يخرج من مُسكه شوقاً، وأن يفارق هيكله صبابةً ووجداً».

[3] ـ يفره المنع: يزيد في ماله، والموفور: التام. وزاد في بعض النسخ المطبوعة: يفره المنع والجمود.

[4] ـ أكدى الرجل: إذا بخل أو قلّ خيره.

[5] ـ الأناسي: جمع إنسان، وهو ـ هنا ـ: المثال الذي يرى في سواد العين.

[6] ـ تنفست عنه المعادن: استعارة، والمراد ما تشققت عنه المعادن.

[7] ـ الأصداف: جمع الصدف، وهو غشاء الدرة.

[8] ـ الفلز: اسم الأجناس الذائبة كالذهب والفضة والرصاص.

[9] ـ اللجين: الفضة، والعقيان: الذهب الخالص.

[10] ـ نثارة الدر: ما تناثر منه.

[11] ـ حصيد المرجان: كأنّه أراد المتبدّد منه كما يتبدد الحب المحصود، ويجوز أن يعني به الصلب المحكم من قولهم: شيء مستحصد أي مستصحب مستحكم. والمرجان: صغار اللؤلؤ، وقيل: جوهر أحمر، وقيل: عروق حمر تطلع من البحر كأصابع الكف.

[12] ـ السدد: جمع السدة باب الدار، أو الظلة التي على الباب لتقي الباب من المطر.

[13] ـ ارتمى: رمى، يقال: رميت الشيء أي ألقيته فارتمى.

[14] ـ الوله: شدّة الشوق الى الشيء والولوع به.

[15] ـ غمضت: أي دقّت وخفيت.

[16] ـ تجوب: تقطع، والمهاوي: المهالك.

[17] ـ جُبهت: رُدّت من جبهته أي صككت جبهته.

[18] ـ الجور: الميل عن القصد، والاعتساف: الأخذ على غير الطريق.

[19] ـ أولي الرويات: أصحاب التفكر في الأُمور.

[20] ـ المساك: ما يُمسك به.

[21] ـ التلاحم: التلاصق، والحقاق: جمع الحُق ـ بالضم ـ وهو رأس العظم عند المفصل.

[22] ـ المحتجبة: المستترة.

[23] ـ القرائح: جمع قريحة، وهي القوة التي يُستنبط بها المعقولات.

[24] ـ الغريزة: الطبيعة، وقريحة غريزة: ما يستنبطه الذهن والطبع.

[25] ـ نهج: أوضح.

[26] ـ وصل أسباب قرائنها: قيل: المراد اقتران النفوس بالأبدان، وقيل: هدايتها لما هو الأليق بها في معاشها ومعادها.

[27] ـ بدايا: جمع بدئ، وهي امّا بمعنى الخليقة المبتدأ بها، وامّا بمعنى الحالة العجيبة من قوله: أبدأ الرجل إذا جاء بالأمر البديء أي المعجب.

[28] ـ الرهوات: المواضع المتفتّحة، وقيل أيضاً: المكان المرتفع والمنخفض. وفرجها: جمع فُرجة وهي المكان الخالي.

[29] ـ وشّج: شبّك.

[30] ـ الأشراج: جمع شرج وهو العروة، وهي مقبض الكوز والدلو وغيرهما، وأشار باضافة العرى للأشراج الى أنّ كل جزء من مادتها عروة للآخر يجذبه إليه ليتماسك به.

[31] ـ الرتق: ضد الفتق.

[32] ـ صوامت الأبواب: مغلقاتها.

[33] ـ النقاب: جمع نقب، وهو الطريق بين الموضعين.

[34] ـ المور: الاضطراب والحركة.

[35] ـ الدراري: الكواكب المضيئة.

[36] ـ أذلالها: أي مجاريها وطرقها.

[37] ـ الصفيح: السماء ووجه كلّ شيء عريض.

[38] ـ الفج: الطريق الواسع بين جبلين أو حائطين.

[39] ـ فتوق: شقوق، وأجوائها: متسعها.

[40] ـ الزجل: الصوت.

[41] ـ الحظيرة: ما يعمل شبه البيت للإبل ليقيها من البرد، والقدس: الطهر.

[42] ـ السترات: جمع سترة، وهو ما يُستتر به.

[43] ـ السرادقات: جمع سرادق، وهو ما يمدّ على صحن البيت فيغطيه.

[44] ـ الرجيج: الصوت العالي أو الزلزلة والاضطراب.

[45] ـ تستك الأسماع: تنسد.

[46] ـ سبحات النور: تجلياته ولمعانه.

[47] ـ خسأ البصر: كلّ.

[48] ـ أبواباً ذللاً: أي سهلة.

[49] ـ الموصرات: المثقلات.

[50] ـ نوازعها: من نزع في القوس أي مدّها.

[51] ـ لم تعترك: لم تزدحم.

[52] ـ قدح بالزند: أي رام الايراء به وهو استخراج النار، والإحن: جمع الاحنة أي الحقد والضغن.

[53] ـ لاق: التصق.

[54] ـ تقترع: من الاقتراع بالسهام بأن يتناوب كل من الوساوس عليها، والرين: الدنس.

[55] ـ الغمام الدلّح: السحاب المثقل.

[56] ـ الجبال الشمخ: العالية الشاهقة.

[57] ـ قترة الظلام: شدته وسواده. والأيهم: الذي لا يهتدى فيه.

[58] ـ التخوم: جمع تخم وهو حدّ الأرض ومنتهاها.

[59] ـ مخارق: جمع مخرق، أي موضع الخرق.

[60] ـ ريح هفافة: أي ساكنة طيبة.

[61] ـ استفرغتهم: طلبت إليهم أن يفرغوا في العبادة.

[62] ـ الروية: الرافعة للعطش.

[63] ـ الوشيجة: عروق الشجرة، وهو هنا استعارة للمبالغة في الخوف.

[64] ـ الربق: الحبل.

[65] ـ الفترة: الانكسار والضعف.

[66] ـ لم تغض: من غاض الماء أي قلّ ونضب.

[67] ـ الأسلات: جمع أسلة وهي طرف اللسان ومستدقّه.

[68] ـ مقاوم: جمع مقام.

[69] ـ الانتضال: المراماة.

[70] ـ ذو العرش: هو الله تعالى، كما ورد في القرآن: «إذاً لابتغوا الى ذي العرش سبيلا» [الإسراء: 42].

[71] ـ يمّموه: قصدوه.

[72] ـ استهتر بالشيء: تولّع به.

[73] ـ المواد: جمع مادة، أصله من مدّ البحر، ويراد به هنا البواعث الى الطاعة.

[74] ـ الوني: الضعف والفتور.

[75] ـ وشيك السعي: سرعته الى ما طمعوا فيه.

[76] ـ الشفقات: تارات الخوف وأطواره.

[77] ـ مصارف: المغيّرات، والريب: الشك.

[78] ـ أخياف الهمم: الهمم المختلفة.

[79] ـ الاهاب: الجلد.

[80] ـ الحافد: المسرع.

[81] ـ كبس الأرض: أدخلها في الماء بقوة واعتماد شديد. المور: مصدر مار، أي ذهب وجاء.

[82] ـ الزاخرة: الممتدة المرتفعة.

[83] ـ الأواذي: جمع آذيّ أعلى الموج.

[84] ـ الاصطفاق: الاهتزاز.

[85] ـ الثبج: ما بين الكاهل الى الظهر، ويستعار لوسط كلّ شيء.

[86] ـ ترغو: تصوّت، والرغاء: صوت ذات الخف.

[87] ـ جماح الماء: صعوده وغليانه.

[88] ـ هيج ارتمائه: تقاذفه وتلاطمه.

[89] ـ الكلكل: الصدور.

[90] ـ مستخذياً: أي مسترخياً ومنقاداً.

[91] ـ التمعّك: التمرّغ والتقلّب.

[92] ـ الكاهل: ما بين الكتفين.

[93] ـ الاصطخاب: الصياح واضطراب الأصوات.

[94] ـ الساجي: الساكن.

[95] ـ الحكمة: ما أحاط من اللجام بحنك الدابة.

[96] ـ مدحوّة: مبسوطة.

[97] ـ التيار: أعظم الموج، ولجته: أعمقه.

[98] ـ البأو: الكبر والفخر.

[99] ـ غلوائه: غلوّه وتجاوزه عن حدّه.

[100] ـ الكعم: شدّ الفم.

[101] ـ الكظة: الامتلاء.

[102] ـ همد: سكن.

[103] ـ النزقات: الخفة والطيش.

[104] ـ الزيفان: التبختر في المشي. وفي بعض النسخ المطبوعة: «ولبّد بعد زيفان».

[105] ـ البذّخ: العوالي.

[106] ـ العرانين: جمع عرنين، وهو أوّل الأنف تحت مجتمع الحاجبين.

[107] ـ السهب: الفلاة، أو المتسع من الأرض.

[108] ـ بيدها: أي الأرض البرّ، أو الفلاة.

[109] ـ الاخدود: الشق في الأرض.

[110] ـ الشناخيب: رؤوس الجبال، والشُمّ: العالية.

[111] ـ الصياخيد: جمع صيخود، وهي الصخرة الصلبة.

[112] ـ المَيَدان: التحرك والاضطراب.

[113] ـ الأديم: سطح الأرض.

[114] ـ متسربة: أي داخلة.

[115] ـ الجوبة: الحفرة، والخياشيم: جمع خيشوم وهو أقصى الأنف.

[116] ـ الجراثيم: جمع جرثومة وهي أصل الشجر، وقيل: الجراثيم أماكن مرتفعة عن الأرض مجتمعة من تراب أو طين.

[117] ـ متنسّماً: سبب التنفس.

[118] ـ مرافق الدار: ما يستعين به أهلها ويحتاج إليه في التعيش.

[119] ـ الأرض الجرز: التي لا نبات فيها.

[120] ـ الروابي: التلاع وما علا من الأرض.

[121] ـ الذريعة: الوصلة.

[122] ـ ناشئة سحاب: ما يبتدئ ظهوره.

[123] ـ اللمع: جمع لمعة، وهي القطعة من السحاب أو غيره.

[124] ـ القزع: قطع من السحاب رقيقة، واحدها قزعة.

[125] ـ تمخّضت: تحركت بقوة.

[126] ـ المزن: السحابة البيضاء.

[127] ـ كففه: حواشيه وجوانبه، وطرف كلّ شيء كُفّه ـ بالضم ـ .

[128] ـ الوميض: الضياء واللمعان.

[129] ـ الكنهور: العظيم من السحاب، والرباب: الغمام الأبيض.

[130] ـ سحّاً: أي صباً.

[131] ـ أسفّ: دنا من الأرض، والهيدب: السحاب المتدلّي أو ذيله.

[132] ـ تمريه: تستنزله كما يُمرى الضرع.

[133] ـ الدرر: جمع دِرّة وهو الصب.

[134] ـ الأهاضيب: حلبات القطر بعد القطر.

[135] ـ الشآبيب: رشة قوية من المطر.

[136] ـ البرك: الصدر، والبواني: ما يليه من الأضلاع، وعنى به هنا ثقلها.

[137] ـ البعاع: شدّة المطر.

[138] ـ زُعر: جمع أزعر وهي القليلة النبات.

[139] ـ تزدهي: من الزهو، وهو الاعجاب أو التكبر.

[140] ـ الريط: جمع ريطة وهي المُلاءة، أو كلّ ثوب رقيق لين.

[141] ـ سمطت به: علق عليها السموط، وهو العقد.

[142] ـ الأنوار: جمع نَور، وهو الزهرة قبل انفتاحها.

[143] ـ قال ابن أبي الحديد في شرحه 6: 451 معلّقاً على هذا الفصل: «وهذا الفصل من كلام أميرالمؤمنين(عليه السلام) قد اشتمل من الاستعارة العجيبة وغيرها من أبواب البديع على ما لو كان موجوداً في ديوان شاعر مكثر، أو مترسِّل مكثر لكان مستحق التقديم بذلك... فيا لله وللعجب من قوم زعموا أنّ الكلام انّما يفضل بعضه بعضاً لاشتماله على أمثال هذه الصنعة، فإذا وجدوا في مائة ورقة كلمتين أو ثلاثاً منها، أقاموا القيامة ونفخوا في الصور، وملؤوا الصحف بالاستحسان لذلك والاستظراف، ثم يمرّون على هذا الكلام المشحون كله بهذه الصنعة على ألطف وجه، وأرصع وجه، وأرشق عبارة، وأدق معنى، وأحسن مقصد، ثم يحملهم الهوى والعصبية على السكوت عن تفضيله إذا أجملوا وأحسنوا، ولم يتعصبوا لتفضيل غيره عليه! على انّه لا عجب؛ فإنّه كلام عليّ (عليه السلام) وحظّ الكلام حظ المتكلم؛ وأشبه امرأً بعض بَزِّهِ!».

[144] ـ مهد أرضه: سوّاها وأصلحها.

[145] ـ فأقدم على ما نهاه عنه: أي أقدم على مكروه دون محظور، ولم يقدم على قبيح محظور، وذلك لدلالة العقل على أنّ الأنبياء يجب أن يكونوا معصومين على كل حال لا يفعلون قبيحاً، هذا وللمزيد راجع الخطبة الاولى فيما يتعلّق بنبيّ الله آدم(عليه السلام)، والتعليق عليها.

[146] ـ قد يتصوّر مخالفة هذا المقطع من كلام أميرالمؤمنين(عليه السلام) لما عليه العدلية من القول بنفي الجبر واثبات اختيار الإنسان، ولكن نقول: لا يدلّ كلام أميرالمؤمنين(عليه السلام) على أكثر من أنّ ما حدث من نبيّ الله آدم(عليه السلام) كان بعلم الله تعالى، وهذا حقّ لا ريب فيه، وقد ثبت في محلّه أنّ العلم الالهي بأفعال الإنسان لايلزم منه الجبر، وليس له دور في صنع الفعل، لأنّ علمه الأزلي ليس علّة وسبباً لصدور الأفعال، بل أنّ الأفعال تصدر منّا وباختيارنا، والله تعالى يعلم بأنّنا سنفعل الفعل الفلاني باختيارنا وإرادتنا أو سنتركه باختيارنا وإرادتنا أيضاً.                                                                                                                                وفي هذا المورد بالخصوص فانّ الله تعالى كان يعلم بصدور ما صدر من آدم(عليه السلام)، ولكن هذا لا يعني كونه مجبراً عليه، وإلّا لما كان أيّ معنى لنهي الله تعالى إيّاه عن التقرّب الى الشجرة والأكل منها، ولما كان أيّ معنى للذم والعتاب المتعقّب للأكل من الشجرة.

[147] ـ المقطع: النهاية.

[148] ـ العقابيل: جمع عقبول وهو بقية الحمّى، والفاقة: الفقر.

[149] ـ الفُرج: جمع فرجة وهي التفصي من الهم.

[150] ـ الترح: الهم والحزن.

[151] ـ أسبابها: أي حبالها.

[152] ـ خالجاً: أي جاذباً، والشطن: الحبل.

[153] ـ المرائر: الحبال المفتولة أو الشديدة الفتل. الأقران: جمع قرن، حبل يجمع به بين البعيران.

[154] ـ قال ابن أبي الحديد في شرحه 7: 24 في تعليقه على هذا المقطع من الخطبة: «... لا أرى كلاماً يشبه هذا إلاّ أن يكون كلام الخالق سبحانه، فإنّ هذا الكلام نبعة من تلك الشجرة، وجدول من ذلك البحر، وجذوة من تلك النار، وكأنّه شرح قوله تعالى: «وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاّ هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلاّ يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلاّ في كتاب مبين» [الأنعام: 59]».

[155] ـ التخافت: إخفاء الكلام.

[156] ـ العزائم: التي يعقد القلب عليها وتطمئن النفس إليها.

[157] ـ المسارق: ما تسترقه الأبصار حين تومض، يقال: أومض البصر ايماضاً إذا لمع لمعاً خفيفاً.

[158] ـ أكنان: جمع كن بمعنى السترة، وأكنان القلوب: غلفها.

[159] ـ المصائخ: آلة السماع.

[160] ـ الذر: جمع ذرة أصغر النمل، ومصائفها: مواضعها في الصيف.

[161] ـ رجع الحنين: ترجيعه وترديده.

[162] ـ المولهات: التي فرّق بينها وبين ولدها فهي عليه والهة.

[163] ـ همس الأقدام: صوت وطئها خفيفاً جداً.

[164] ـ الولائج: المداخل، والأكمام: وعاء الطلع وغطاء النور.

[165] ـ منقمع الوحوش: موالجها ومحلّ اختفائها. الغيران: جمع الغار.

[166] ـ سوق الأشجار: جمع ساق، وألحيتها: جمع لحاء وهو القشر.

[167] ـ الأفنان: جمع فن، وهو غصن الشجرة.

[168] ـ الأمشاج: جمع مشج وهو المني.

[169] ـ مسارب الأصلاب: المواضع التي يتسرب المني فيها من الصلب.

[170] ـ سفت الريح التراب: ذَرَته، والأعاصير: جمع إعصار، وهي ريح تثير الغبار فيرتفع الى السماء كأنّه عمود.

[171] ـ العوم: السباحة وسير السفينة.

[172] ـ بنات الأرض: الحشرات والهوام التي تكون في تلال الرمال.

[173] ـ الذرا: جمع ذروة أي أعالي، وشناخيب الجبال: رؤوسها.

[174] ـ الديجور: الظلمة.

[175] ـ سدفة الليل: ظلمته.

[176] ـ ذرّ: مدّ عليه نوره.

[177] ـ أطباق الدياجير: أطباق الظلم.

[178] ـ سبحات النور: أشعته.

[179] ـ الهماهم: جمع همهمة، وهي ترديد الصوت في الصدر.

[180] ـ النقاعة: نقرة يجتمع فيها الدم.