العربية
100%

 [144] ومن خطبة له(عليه السلام)([1])

[مبعث الرسل]

بَعَثَ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيِهِ، وَجَعَلَهُمْ حُجَّةً لَهُ عَلَى خَلْقِهِ، لِئَلاَّ تَجِبَ الْـحُجَّةُ لَـهُمْ بِتَرْكِ الإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ، فَدَعَاهُمْ بِلِسَانِ الصِّدْقِ إِلَى سَبِيلِ الْـحَقِّ.

أَلاَ إِنَّ اللهَ قَدْ كَشَفَ الْـخَلْقَ([2]) كَشْفَةً، لا أَنَّهُ جَهِلَ مَا أَخْفَوْهُ مِنْ مَصُونَ أَسْرَارِهِمْ، وَمَكْنُونِ ضَمَـائِرِهمْ، وَلكِنْ لِيَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً، فَيَكُونَ الثَّوَابُ جَزَاءً، وَالْعِقَابُ بَوَاءً([3]).

أَيْنَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ دُونَنَا! كَذِباً وَبَغْياً عَلَيْنَا، أَنْ رَفَعَنَا اللهُ وَوَضَعَهُمْ، وَأَعْطَانَا وَحَرَمَهُمْ، وَأَدْخَلَنَا وَأَخْرَجَهُمْ. بِنَا يُسْتَعْطَى الْـهُدَى، وَبِنَا يُسْتَجْلَى الْعَمَى. إِنَّ الأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيشٍ غُرِسُوا فِي هذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ، لا تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ، وَلا تَصْلُحُ الْوُلاَةُ مِنْ غَيْرِهمْ.

 

منها: [في أهل الضلال]

آثَرُوا عَاجِلاً، وَأَخَّرُوا آجِلاً، وَتَرَكُوا صَافِياً، وَشَرِبُوا آجِناً، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِمْ وَقَدْ صَحِبَ الْـمُنكَرَ فَأَلِفَهُ، وَبَسِىءَ بِهِ([4]) وَوَافَقَهُ، حَتَّى شَابَتْ عَلَيْهِ مَفَارِقُهُ، وَصُبِغَتْ بِهِ خَلاَئِقُهُ([5])، ثُمَّ أَقْبَلَ مُزْبِداً كَالتَّيَّارِ([6]) لا يُبَالِي مَا غَرَّقَ، أَوْ كَوَقْعِ النَّارِ في الْـهَشيمِِ لا يَحْفِلُ([7]) مَا حَرَّقَ!

أَيْنَ الْعُقُولُ الْـمُسْتَصْبِحَةُ بِمَصَابِيحِ الْـهُدَى، وَالأَبْصَارُ اللاَّمِحَةُ إِلَى مَنَارِ التَّقْوَى، أَيْنَ الْقُلُوبُ الَّتِي وُهِبَتْ للهِِ، وَعُوقِدَتْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ!

ازْدَحَمُوا عَلَى الْـحُطَامِ، وَتَشَاحُّوا عَلَى الْـحَرَامِ، وَرُفِعَ لَـهُمْ عَلَمُ الْـجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَصَرَفُوا عَنِ الْـجَنَّةِ وُجُوهَهُمْ، وَأَقْبَلُوا إِلَى النَّارِ بِأَعْمَالِـِهِمْ، دَعَاهُمْ رَبُّهُمْ فَنَفَرُوا وَوَلَّوْا، وَدَعَاهُمُ الشَّيْطَانُ فَاسْتَجَابُوا وَأَقْبَلُوا!

 


[1] ـ استشهد ابن الأثير (ت 606) في النهاية 1: 196 بقوله (عليه السلام): «ثم أقبل مزبداً كالتيار».

[2] ـ كشف الخلق: علم حالهم.

[3] ـ بواء: مكافأة وجزاء.

[4] ـ بسىء به: ألفه واستأنس به.

[5] ـ خلائقه: ملكاته الراسخة في نفسه.

[6] ـ مزبداً: ذو زبد، والتيار: موج البحر ولجته.

[7] ـ لا يحفل: لا يبالي.