العربية
100%

[168] ومن كلام له (عليه السلام) بعد ما بويع بالخلافة([1])

وقد قال له قوم من الصحابة: لو عاقبت قوماً ممن أجلب على عثمان! فقال:

يَا إخْوَتَاهُ! إنِّي لَسْتُ أَجْهَلُ مَا تَعْلَمُونَ، وَلكِنْ كَيْفَ لي بِقُوَّةٍ وَالْقَوْمُ الْـمُجْلِبُونَ عَلَى حَدِّ شَوْكَتِهِمْ، يَمْلِكُونَنَا وَلا نَمْلِكُهُمْ! وهَاهُمْ هؤُلاَءِ قَدْ ثَارَتْ مَعَهُمْ عِبْدَانُكُمْ، وَالْتَفَّتْ إلَيْهِمْ أَعْرَابُكُمْ، وَهُمْ خِلَالَكُمْ([2]يَسُومُونَكُمْ مَا شَاؤُوا؛ وَهَلْ تَرَوْنَ مَوْضِعاً لِقُدْرَةٍ عَلَى شَيءٍ تُرِيدُونَهُ! إنَّ هذَا الأَمْرَ أَمْرُ جَاهِلِيَّةٍ، وَإِنَّ لِهؤُلَاءِ الْقَوْمِ مَادَّةً.

إنَّ النَّاسَ مِنْ هذَا الأَمْرِ ـ إذَا حُرِّكَ ـ عَلَى أُمُورٍ: فِرْقَةٌ تَرَى مَا تَرَوْنَ، وَفِرقْةٌ تَرَى مَا لا تَرَوْنَ، وَفِرْقَةٌ لا تَرَى لا هذَا وَلا هذَا، فَاصْبِرُوا حَتَّى يَهْدَأَ النَّاسُ، وَتَقَعَ الْقُلُوبُ مَوَاقِعَهَا، وَتُؤْخَذَ الْـحُقُوقُ مُسْمَحَةً([3]); فَاهْدَأُوا عَنِّي، وَانْظُرُوا مَاذَا يَأْتِيكُمْ بِهِ أَمْرِي، وَلا تَفْعَلُوا فَعْلَةً تُضَعْضِعُ قُوَّةً، وَتُسْقِطُ مُنَّةً([4])، وَتُورِثُ وَهْناً وَذِلَّةً، وَسَأُمْسِكُ الأَمْرَ مَا اسْتَمْسَكَ، وَإذَا لَمْ أَجِدْ بُدّاً فَآخِرُ الدَّواءِ الْكَيُّ.

 


[1] ـ رواه الطبري (ت 310) في تاريخه 3: 458 عن السدي، عن شعيب، عن سيف ، عن محمّد وطلحة.

واعلم انّ المحقق التستري أنكر في شرحه بهج الصباغة9: 448 ـ 465 نسبة هذا الكلام الى أميرالمؤمنين (عليه السلام) حيث أنّ سيرته (عليه السلام) وتعامله مع قتلة عثمان تخالف هذا، وقال ابن أبي الحديد في شرحه 9: 293 «إنّه (عليه السلام) كان في نفسه عقاب الذين حصروا عثمان والاقتصاص ممن قتله»، ولكن يبدو أنّ كلاهما أخطأ، وذلك أنّنا لو جمعنا ما ورد عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) في شأن عثمان، ولاحظناه مع ما يقترن به من ملابسات وفتن داخلية وخارجية تهدّد كيان الإسلام، علمنا أنّه (عليه السلام) كان بناؤه في أمر عثمان على ابهام المرام، واستعمال التورية في الكلام، لمصالح قاضية بذلك مانعة عن الابانة والتصريح، كما قال (عليه السلام) في ذيل كلامه هذا: «ولا تفعلوا فعلة تضعضع قوة، وتسقط منّة، وتورث وهناً وذلّة»، وإلّا فكيف يخفى على أحد سخط أميرالمؤمنين (عليه السلام) على ما فعله عثمان من أُمور أودت بحياته، من نفي أبي ذر، وضرب عمّار وابن مسعود، وايواء طريد الرسول وغيرها ممّا اقترفها عثمان.

[2] ـ خلالكم: فيما بينكم.

[3] ـ مُسْمَحَة: من أسمح أي ذلّ وانقاد.

[4] ـ مُنَّة: قوة عمل.