العربية
100%

[173] ومن خطبة له (عليه السلام)([1])

[في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ]

أَمِينُ وَحْيِهِ، وَخَاتَمُ رُسُلِهِ، وَبَشِيرُ رَحْمَتِهِ، وَنَذِيرُ نِقْمَتِهِ. أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهذَا الأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللهِ فِيهِ، فَإِنْ شَغَبَ([2]) شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ([3])، فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ.

وَلَعَمْرِي، لَئِنْ كَانَتِ الإِمَامَةُ لا تَنْعَقِدُ حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ، مَا إِلَى ذلِكَ سَبِيلٌ، وَلكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا، ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ، وَلا لِلغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ([4]).

أَلاَ وَإِنَّي أُقَاتِلُ رَجُلَيْنِ: رَجُلاً ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ، وَآخَرَ مَنَعَ الَّذِي عَلَيْهِ. أُوصِيكُمْ [عِبَادَ اللهِ] بِتَقْوَى اللهِ، فَإنَّهـا خَيْرُ مَا تَوَاصَى الْعِبَادُ بِهِ، وَخَيْرُ عَوَاقِبِ الأُمُورِ عِنْدَ اللهِ، وَقَدْ فُتِحَ بَابُ الْـحَرْبِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَلا يَحْمِلُ هذَا الْعَلَمَ إلَّا أَهْلُ الْبَصَرِ والصَّبْرِ وَالْعِلْمِ بِمَوَاضِعِ الْـحَقِّ، فَامْضُوا لِـمَا تُؤْمَرُونَ بِهِ، وَقِفُوا عِنْدَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ، وَلا تَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ حَتَّى تَتَبَيَّنُوا، فَإِنَّ لَنَا مَعَ كُلِّ أَمْرٍ تُنْكِرُونَهُ غِيَراً.

أَلا وَإِنَّ هذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي أَصْبَحْتُمْ تَتَمَنَّوْنَهَا وَتَرْغَبُونَ فِيهَا، وَأَصْبَحَتْ تُغْضِبُكُمْ وَتُرْضِيكُمْ، لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ، وَلا مَنْزِلِكُمُ الَّذِي خُلِقْتُمْ لَهُ وَلا الَّذِي دُعِيتُمْ إِلَيْهِ، أَلاَ وَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِبَاقِيَةٍ لَكُمْ وَلا تَبْقَوْنَ عَلَيْهَا، وَهِيَ وَإِنْ غَرَّتْكُمْ مِنْهَا فَقَدْ حَذَّرَتْكُمْ شَرَّهَا، فَدَعُوا غُرُورَهَا لِتَحْذِيرِهَا، وَأَطْمَاعَهَا لِتَخْوِيفِهَا، وَسَابِقُوا فِيهَا إِلَى الدَّارِ الَّتي دُعِيتُمْ إِلَيْهَا، وَانْصَرِفُوا بِقُلُوبِكُمْ عَنْهَا، وَلا يَخِنَّنَّ([5]) أَحَدُكُمْ خَنِينَ الأَمَةِ عَلَى مَا زُوِيَ([6]) عَنْهُ مِنْهَا، وَاسْتَتِمُّوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَالْـمُحَافَظَةِ عَلَى مَا اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِهِ.

أَلاَ وَإِنَّهُ لا يَضُرُّكُمْ تَضْيِيعُ شَيْءٍ مِنْ دُنْيَاكُمْ بَعْدَ حِفْظِكُمْ قَائِمَةَ دِينِكُمْ، أَلاَ وَإِنَّهُ لا يَنْفَعُكُمْ بَعْدَ تَضْيِيعِ دِينِكُمْ شَيْءٌ حَافَظْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ، أَخَذَ اللهُ بِقُلُوبِنَا وَقُلُوبِكُمْ إِلَى الْـحَقِّ، وَألْـهَمَنَا وَإِيَّاكُمُ الصَّبْرَ!

 


[1] ـ روى ذيل الخطبة باختلاف كثير الإسكافي (ت 220) في المعيار والموازنة: 111، وابن شعبة (ق 4) في تحف العقول: 184.

[2] ـ الشغب: تهييج الشرّ والفساد.

[3] ـ استعتب: طلب منه الرضا بالحقّ.

[4] ـ كان معاوية يطعن على أميرالمؤمنين (عليه السلام) بعدم بيعة عامة الناس إليه (عليه السلام) إذ كتب له: «انّ أهل البصرة بايعوك ولم يبايعك أحد من أهل الشام» [الإمامة والسياسة 1: 101] فكان يتضرّع بهذه الحجج ويبرّر موقفه وتمرّده، فكلام أميرالمؤمنين (عليه السلام) كان صادراً في مقام الردّ على شغبه، لأنّ الواجب في مقام الاحتجاج، أنّ الإنسان يحتج بما يقرّ به الخصم لا بما ينكره، فمعاوية كان ينكر النصّ فلم يحتجّ به أميرالمؤمنين (عليه السلام)، ويدلّ عليه قوله (عليه السلام): «ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى يحضرها عامة الناس... »، فلا مجال اذن لما توهمه ابن أبي الحديد في شرحه 9: 329 من انّ هذا الكلام مبطل لقول الإمامية في مسألة النصّ.

[5] ـ الخنين: البكاء في الأنف.

[6] ـ زوي: قبض.