العربية
100%

[188] ومن خطبة له (عليه السلام)([1])

[في الوصية بأمور]

أُوصِيكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ بِتَقْوَى اللهِ، وَكَثْرَةِ حَمْدِهِ عَلَى آلاَئِهِ إِلَيْكُمْ، وَنَعْمَائِهِ عَلَيْكُمْ، وَبَلَائِهِ لَدَيْكُمْ. فَكَمْ خَصَّكُمْ بِنِعْمَةٍ، وَتَدَارَكَكُمْ بِرَحْمَةٍ! أَعْوَرْتُمْ([2]) لَهُ فَسَتَرَكُمْ، وَتَعَرَّضْتُمْ لاَِخْذِهِ فَأَمْهَلَكُمْ!

وَأُوصِيكُمْ بِذِكْرِ الْـمَوْتِ، وَإِقْلاَلِ الْغَفْلَةِ عَنْهُ، وَكَيْفَ غَفْلَتُكُمْ عَمَّا لَيْسَ يُغْفِلُكُمْ، وَطَمَعُكُمْ فِيمَنْ لَيْسَ يُمْهِلُكُمْ!

فَكَفَى وَاعِظاً بِمَوْتَى عَايَنْتُمُوهُمْ، حُمِلُوا إلَى قُبُورِهِمْ غَيْرَ رَاكِبِينَ، وَأُنْزِلُوا فِيهَا غَيْرَ نَازِلِينَ، كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِلدُّنْيَا عُمَّاراً، وَكَأَنَّ الآخِرَةَ لَمْ تَزَلْ لَـهُمْ دَاراً، أَوْحَشوُا مَا كَانُوا يُوطِنُونَ، وَأَوْطَنُوا مَا كَانُوا يُوحِشُونَ، وَاشْتَغَلُوا بِمَا فَارَقُوا، وَأَضَاعُوا مَا إِلَيْهِ انْتَقَلُوا، لا عَنْ قَبِيحٍ يَسْتَطِيعُونَ انْتِقَالاً، وَلا فِي حَسَنٍ يَسْتَطِيعُونَ ازْدِيَاداً، أَنِسُوا بِالدُّنْيَا فَغرَّتْهُمْ، وَوَثِقُوا بِهَا فَصَرَعَتْهُمْ.

فَسَابِقُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ إِلَى مَنَازِلِكُمُ الَّتِي أُمِرْتُمْ أَنْ تَعْمُرُوهَا، وَالَّتِي رُغِّبْتُمْ فِيهَا، وَدُعِيتُمْ إِلَيْهَا. وَاسْتَتِمُّوا نِعَمَ اللهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَتِهِ، وَالْـمُجَانَبَةِ لِـمَعْصِيَتِهِ، فَإِنَّ غَداً مِنَ الْيَوْمِ قَرِيبٌ. مَا أَسْرَعَ السَّاعَاتِ فِي الْيَوْمِ، وَأَسْرَعَ الأَيَّامَ فِي الشَّهْرِ، وَأَسْرَعَ الشُّهُورَ فِي السَّنَةِ، وَأَسْرَعَ السِّنِينَ فِي الْعُمُرِ!

 


[1] ـ رواها عبدالملك الثعالبي (ت 429) في الاعجاز والايجاز: 31 [على ما في مصادر نهج البلاغة 3: 6].

[2] ـ أعورتم: أي بدا منكم موضع الخلل والعوار.