العربية
100%

[199] ومن كلام له (عليه السلام) كان يوصي به أصحابه([1])

تَعَاهَدُوا أَمْرَ الصَّلاَةِ، وَحَافِظُوا عَلَيْهَا، وَاسْتَكْثِرُوا مِنْهَا، وَتَقَرَّبُوا بِهَا، فَإِنَّهَا كَانَتْ عَلَى الْـمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً. أَلاَ تَسْمَعُونَ إِلَى جَوَابِ أَهْلِ النَّارِ حِينَ سُئِلُوا:​<مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْـمُصَلِّينَ>. وَإِنَّهَا لَتَحُتُّ الذُّنُوبَ حَتَّ الْوَرَقِ، وَتُطْلِقُهَا إِطْلاَقَ الرِّبَقِ([2])، وَشَبَّهَهَا رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِالْـحَمَّة([3]) تَكُونُ عَلَى بَابِ الرَّجُلِ، فَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرّاتٍ، فَمَا عَسَى أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنَ الدَّرَنِ!

وَقَدْ عَرَفَ حَقَّهَا رِجَالٌ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لا تَشْغَلُهُمْ عَنْهَا زِينَةُ مَتَاعٍ، وَلا قُرَّةُ عَيْنٍ مِنْ وَلَدٍ وَلا مَالٍ، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: ​<رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ>.

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) نَصِباً بِالصَّلاَةِ بَعْدَ التَّبْشِيرِ لَهُ بِالْـجَنَّةِ، لِقَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ: <وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا>، فَكَانَ يَأمُرُ بِهَا أَهْلَهُ وَيُصْبِرُ عَلَيْهَا نَفْسَهُ.

ثُمَّ إِنَّ الزَّكَاةَ جُعِلَتْ مَعَ الصَّلاَةِ قُرْبَاناً لِأهْلِ الإِسْلاَمِ، فَمَنْ أَعْطَاهَا طَيِّبَ النَّفْسِ بِهَا، فإِنَّهَا تُجْعَلُ لَهُ كَفَّارَةً، وَمِنَ النَّارِ حِجَازاً وَوِقَايَةً، فَلاَ يُتْبِعَنَّهَا أَحَدٌ نَفْسَهُ، وَلا يُكْثِرَنَّ عَلَيْهَا لَـهَفَـهُ، فَإِنَّ مَنْ أَعْطَاهَا غَيْرَ طَيِّبِ النَّفْسِ بِهَا، يَرْجُو بِهَا مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا، فَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ، مَغْبُونُ الأجْرِ([4])، ضَالُّ الْعَمَلِ، طَوِيلُ النَّدَمِ.

ثُمَّ أَدَاءَ الأمَانَةِ، فَقَدْ خَابَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، إِنَّهَا عُرِضَتْ عَلَى السَّماوَاتِ الْـمَبْنِيَّةِ، وَالأَرَضِينَ الْـمَدْحُوَّةِ([5])، وَالْـجِبَالِ ذَاتِ الطُّولِ الْـمَنْصُوبَةِ؛ فَلاَ أَطْوَلَ وَلا أَعْرَضَ، وَلا أَعْلَى وَلا أَعْظَمَ مِنْهَا، وَلَوِ امْتَنَعَ شَيْءٌ بِطُولٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ قُوَّةٍ أَوْ عِزٍّ لاَمْتَنَعْنَ، وَلكِنْ أَشْفَقْنَ مِنَ الْعُقُوبَةِ، وَعَقَلْنَ مَا جَهِلَ مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُنَّ، وَهُوَ الاِنْسَانُ، إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً. إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا الْعِبَادُ مُقْتَرِفُونَ([6]) فِي لَيْلِهِمْ وَنَهَارِهِمْ، لَطُفَ بِهِ خُبْراً، وَأَحَاطَ بِهِ عِلْماً، أَعْضَاؤُكُمْ شُهُودُهُ، وَجَوَارِحُكُمْ جُنُودُهُ، وَضَمائِرُكُمْ عُيُونُهُ، وَخَلَوَاتُكُمْ عِيَانُهُ.

 


[1] ـ روى نحوه الكليني (ت 329) في الكافي 5: 36 ح 1 عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي حمزة، عن عقيل الخزاعي.

[2] ـ ربق: جمع ربقة، وهي الحبل.

[3] ـ الحمة: الحفيرة فيها الماء الحار.

[4] ـ مغبون الأجر: منقوصه.

[5] ـ المدحوّة: المبسوطة.

[6] ـ الإقتراف: الاكتساب.