العربية
100%
معالم المرقد العلوي

الصندوق الخاتم

الصندوق الخاتم

     الصندوق الخاتم هو ما يوضع اعلى القبر وغالبا ما يكون مصنوعا من الخشب. وان اول من وضع صندوقا على قبر امير المؤمنين عليه السلام هو احد شخصيات بني العباس ويدعى داود العباسي في سنة 273هـ/886م تكفيرا عن ذنبه الذي اقترفه لمحاولته نبش المرقد المطهر لمعرفة حقيقته وكشف سره وظهور الكرامة الباهرة لإمام المتقين صلوات الله عليه, وقد وقعت حادثة النبش في أيام الخليفة المعتمد (256-279هـ) وتزامنت مع سقوط سقيفة مرقد الامام الحسين بن علي عليه السلام في ذي الحجة من سنة 273هـ(1).

     وبعد مرور عشر سنوات من وقوع تلك الحادثة شيد ملك طبرستان السيد محمد بن زيد الداعي الحسني العمارة الأولى لمرقد امير المؤمنين عليه السلام في سنة 283هـ/896م وبقي الصندوق في مكانه متوسطا الحضرة المطهرة ضمن العمارة الجديدة(2).

     ولعل من المناسب ان ننقل هنا ما ذكره الرحالة ابن بطوطة عن الصندوق الخاتم عندما زار النجف الاشرف في سنة 727ه/1327م حيث قال: (وفي وسط القبة مصطبة مربعة مكسوة بالخشب عليه صفائح الذهب المنقوشة المحكمة العمل مسمرة بمسامير الفضة قد غلبت على الخشب بحيث لا يظهر منها شيء, وارتفاعها دون القامة, وفوقها ثلاثة من القبور يزعمون ان أحدها قبر آدم عليه الصلاة والسلام, والثاني قبر نوح عليه الصلاة والسلام, والثالث قبر علي رضي الله تعالى عنه)(3).

     ومما يجدر ذكره في هذا الصدد ان العمارة القائمة يومذاك التي شاهدها ابن بطوطة كانت لعضد الدولة فناخسرو البويهي, فضلا عن ذلك يوجد في الخزانة العلوية كسوة نفيسة (بردة) لصندوق القبر المطهر يعتقد انها من اهداء السلطان البويهي.

    وفي عهد الشاه اسماعيل الصفوي المتوفى سنة 930ه/1524م أمر بصنع صناديق لأضرحة الائمة عليهم السلام في النجف الاشرف والكاظمية وسامراء بدلا من الصناديق القديمة(4). وفي عام 1126هـ/1714م تم تجديد الصندوق العلوي في عهد والي بغداد حسن باشا, وقد ارّخه الشاعر الاديب الشيخ محمد جواد بن عبد الرضا عواد النجفي البغدادي المتوفى سنة 1160هـ بقصيدة قال فيها :

لتباهي البلاد بغداد   ***  بوزير عدوه هابه

(حسن) من بحسن سيرته  ***  غرض العدل سهمه صابه

فلقد نال حسن توفيق   ***   كان رب السماء وهابه

عند تجديده لصندوق  ***  نشر الحسن فيه اثوابه

للإمام الذي لرفعته  ***  لثم العالمون اعتابه

ذو المعالي علي بن ابي طالب من غدا التقى دابه

اسد الله من بصارمه   ***  قدَّ عمرواً وصد احزابه

يا له من البهاء صندوقا  ***  مد فيه السناء اطنابه

فهو برج بدا به قمر   ***   ظلم الغي فيه منجابه

ألهم الحق فيه تاريخاً   ***   (أسد جددوا له غابه)(5) 

     وتبرع بصندوق الخاتم الحالي الملك محمد جعفر بن محمد صادق الزند عام 1202ه/1787م, ويعد هذا الصندوق تحفة فنية فريدة اذ يمتاز بدقة الصنعة وروعة النقش وجمالية الخطوط, وصنع من خشب الساج الهندي المنقوش بالعاج والصدف وانواع متعددة اخرى من الاخشاب الملونة, وطوق الصندوق بدعاء الجوشن ونقشت عليه بعض السور القرآنية واسماء المتبرع والنجار والخطاط وتاريخ الصنع. يقول الشيخ محمد حسين حرز الدين ما نصه:(وفي اسفل الصندوق يوجد شريط عريض من الكتابة بالخط الفارسي والنستعليق كتب فيه اسم الصانع والخطاط والمُهدي, وهذا نص ما كتب عليه:" قد تشرف ووفق بإتمام هذا الصندوق الرفيع خالصا لوجه الله تعالى واخلاصا لوليه واوليائه". التوقيع: كلب عتبة علي أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام محمد جعفر بن محمد صادق الزند أدام الله تأييده في سنة 1202ه. وفي آخر هذا التوقيع : " عمل بنده خاكسار محمد حسين نجار شيرازي, وكتبه محمد بن علاء الدين محمد الحسيني, سنة 1198هـ).(6)ِ

     وفي سنة 1203ه/1788م ارسل الصندوق الخاتم من ايران الى النجف الاشرف وقد أرّخ تاريخ نصبه في الحضرة المطهرة الشاعر السيد صادق الفحام النجفي, وهذه قصيدته :

لله صندوق بديع صنعه     ***   ليس له في الحسن من مضاهي

اودعه صانعه عجائبا     ***    تجل عن حصر وعن تناهي

يرمقه الطرف فيغدو حائرا     ***   فيه ويرتد حسيرا ساهي

جل عن المثل جلال من به     ***   جل عن الانداد والاشباه

عيبة علم جددت قد حوت الـ     ***   علم الجليل الكامل الالهي

لذاك قد قلت به مؤرخا     ***   (قد جُدّدت عيبة علم الله)(7)

     وعندما تم قلع الشباك الفضي القديم في اواخر سنة 1361ه/1942م وابدل بالشباك الحالي على نفقة سلطان البهرة طاهر سيف الدين, نصب حول الصندوق سور زجاجي لحمايته من تراكم الغبار تبرع به الحاج محمد صالح الجوهرجي, وللشاعر الشيخ حسن سبتي قصيدة ارخ فيها هذا العمل نقتبس منها هذه الابيات:

قد تجلى لعلي مرقد  ***  نوره يجلو الدجى والليل داج

فوقه صندوق قدس خاتم  ***  زانه نقش بإبريز وعاج

فوقه ألقوا غشاء حافظا  ***   من زجاج مانعا عنه العجاج

يا له صندوق قدس باهرا  ***  ساطعا ارّخه (يغشاه الزجاج)(8)  

     وقد طال الضرر صندوق القبر الشريف بسبب الاعمال العسكرية الهمجية للنظام البعثي البائد جراء استباحة المرقد المطهر عقب الانتفاضة الشعبانية سنة 1411هـ/1991م. وعندما تم صيانة وتذهيب الشباك الفضي عام 1438ه/2017 م من قبل طائفة البهرة تم تجديد الزجاج المحيط بالصندوق الخاتم بنوعية ذات جودة ومواصفات عالية وزينت الجوانب بأشرطة ذهبية جميلة نقش عليها اسم (علي) عليه السلام مرصعا بالياقوت الاحمر.