العربية
100%
نهج البلاغة

كيف تسنى للرضي جمع خطب الإمام (عليه السلام)؟

استعان الشريف الرضي في جمع كلام الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكتب الكثيرة التي كانت في متناول يده آنذاك ، فقد كانت بغداد في ذلك اليوم تزخر بالمكتبات العامة و الخاصة الفريدة التي تضُمُّ كتباً كثيرة ، ومن جملة تلك المكتبات مكتبة أخيه السيد المرتضى علم الهدى (رحمه الله) التي كانت تشتمل على ثمانين ألف مجلد .

و بالنسبة إلى وفرة الكتب في ذلك الزمان ببغداد يقول ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان: " لم يكن في الدنيا أحسن مكتبة منها ، كانت كلها بخطوط الأئمة المعتبرة ، و أصولهم المحررة ، فيا للأسف و الأسى على إعدام أيادي الجناة تلك الجواهر الفريدات في ـ سنة ـ 447 "[1].

و بالطبع فلو لم يجمع الشريف الرضي ما اختاره من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة من تلك المصادر لكنا محرومين منه أيضا اليوم بكل تأكيد.

ذلك لأن ما وصل من خطب الإمام (عليه السلام) إلى المؤرخ الشهير المسعودي المتوفى سنة : 346 هجرية [2] كانت أربعمائة و نيف و ثمانون خطبة ، و لا شك أن خطب الإمام(عليه السلام) تتجاوز في الأصل هذه الكمية ، و الحال أن الموجود منها في نهج البلاغة و غيره من الكتب لا يبلغ بمجموعه نصف هذا العدد[3].

هذا و من اللازم أن لا ننسى دور أعداء علي (عليه السلام) في القضاء على الكثير من الكتب و المصادر التي كانت تزخر بفضائل علي (عليه السلام) و كلامه في شتى المواقف ، يقول العلامة ابن أبي الحديد المعتزلي : " ... فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق الأرض و غربها ، و اجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره و التحريف عليه و وضع المعايب و المثالب له ، و لعنوه على جميع المنابر ، و توعّدوا مادحيه بل حبسوهم و قتلوهم ، و منعوا من رواية حديثٍ يتضمّن له فضيلة أو يرفع له ذكراً ، حتى حَظَّروا أن يُسمى أحد باسمه ... "[4].