العربية
100%
معالم المرقد العلوي

الصَحن الحَيدري الشَريف

الصَحن الحَيدري الشَريف

هو حصن مربع الشكل تقريباً يُحيطُ بالحرم العلوي المطهر من جهاته الثلاث: الشمالية والشرقية والجنوبية، أما من الجهة الغربية فهو ملاصق تماماً لصحن مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام. وللصحن الشريف سور طابوقي ارتفاعه (۱۲م) يتألف من طبقتين تضمان الغرف التي تتقدمها أواوين عددها (99) إيواناً. ويبلغ طول كل من ضلعيه الشرقي والغربي من الداخل نحو 85 م، ويبلغ طول ضلعيه الشمالي والجنوبي من الداخل نحو 77 م. إن أكثر الأواوين متشابهة في الشكل والحجم، وهي مُغلَّفة بالكاشي المزخرف بأنواع النقوش الجميلة، وكانت الغرف يشغلها طلبة العلوم الدينية للدراسة والمبيت (1).

     وذكر الأستاذ الدكتور حسن الحكيم في كتابه (المفصل في تاريخ النجف الأشرف) ما نصه: (وتعود تصاميم الصحن الحيدري الشريف إلى العهد الصفوي، حيث وُضعت للحضرة والصحن التصاميم التي هي عليها الآن من قِبَل الشيخ البهائي محمد بن الحسين العاملي (ت 1031هـ)،  فقد أخذ قسماً من مسجد عمران بن شاهين وأدخله في الصحن...)(2).

     وقد أشارت دراسة مؤسسة (معمار حرم) الهندسية إلى أن تصميم الأبنية في عمارة المرقد العلوي المطهر تعتمد نِسَباً معيّنة وآليات قياسية، وأن معظم نسب خارطة المرقد تبتنى على شبكة مربعة الأضلاع...، وأن اختلاف نسب الفضاء وارتفاع الجدران المحيطة به يجعل شعور الشخص بالإحاطة والتطويق وإدراكه لهذه الفضاءات مختلفاً. في تصميم المرقد العلوي المطهر تم الأخذ بعين الاعتبار لهذا الموضوع بشكل كبير من قبل المصمم. وكما نعلم فإنه في العهد الصفوي تم تنفيذ مشروع شامل لتأهيل وتوسعة المرقد الذي انتهى بشكل ينم عن ذكاء وحكمة من خلال تشييد مجموعة ذات هندسة متكاملة ونظام يعتمد التسلسل الفضائي المرتبي الصحيح. ويبدو أن بالإمكان اعتماد تلك النماذج والنِسَب في تصميم فضاءات الصحون الجديدة. إن إظهار الاحترام والتقاليد السابقة لا يعني التبعية العمياء للماضي، فإننا نتعامل هنا مع أسلاف يتمتعون بمستوى كبير من الخبرة والتدين والدراية، وإن الآثار المتبقية لهم خير دليل على هذا الادعاء.

     فضلاً عن ذلك فإن فضاء الصحن العلوي المطهر هو على هيأة الحرف U الإنجليزي، وإن نِسَب الفضاءات وارتفاع أسوار المرقد أسهمت في إيجاد تطويق وإحاطة مناسبة لهذا الفضاء بما يتناسب بشكل جيد مع المقياس الإنساني...، وبشكل عام فإن شعور الزائر بالإحاطة في فضاء الصحن له نسب تتراوح بين 1.6/1و 1.7/1، وهو ما يمثل نسباً مطلوبة، وإنّ في الأجزاء التي تمثل الضلع الأكبر من الشكل U في الصحن يمنح الزائر شعوراً عظمة البناء، وهذا بسبب وقوع النسبة الأكثر امتداداً في مقابله(3).

 

أبواب الصحن الحيدري

عندما شيّد الشاه عباس الأول الصفوي العمارة الحالية للمرقد العلوي المطهر في عام 1023هـ /1614م كان للصحن الحيدري الشريف ثلاثة أبواب رئيسة، وهي: الباب الشرقي الكبير (باب الساعة)، وباب الطوسي، وباب القبلة، وبعد وفاة الشاه عباس في سنة 1038هـ أتمَّ حفيده الشاه صفي النقص في العمارة ابتداءً من عام 1042هـ، و شيّد دار الشفاء، وكان هناك باب صغير بين هذه الدار والصحن الشريف في الجهة الشرقية أغلِقَ فيما بعد.

وللصحن الشريف في الوقت الحاضر خمسة أبواب رئيسة هي:

1- باب الساعة: وهو الباب الكبير من جهة الشرق، وعُرِفَ بهذه التسمية لوجود مئذنة الساعة في أعلاه. وقد جرى العديد من الترميمات والتجديدات للزخارف والنقوش والكتابات في واجهة ودهليز هذا الباب منذ أوائل العصر الصفوي ولا سيما في سنة 1198هـ، و تبرع الحاج عبد الحسين بهادر خان بتجديد الزخارف في سنة 1234هـ. وتُرى اليوم بلاطات القاشاني في الواجهة الخارجية التي وُضِعَت في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني مؤرخة بسنة 1327هـ، وقد أرَّخ هذا التجديد السيد باقر الهندي بقوله:

حضرة قُدس قد سما سمكها          تزدحــم الأمـــلاك فـــي بابها
يـــــود جبرائيــــل لـــو أنـــــه          يُعــدُّ مــــن جملــــة حجّابهــا
البـــاب بـــــاب الله تاريخـــــه          (بـاب علـي لـذ بأعتــابهـا)(4).

وفي سنة 1991م تعرض هذا الباب للتخريب في الهجوم البربري لأزلام النظام البعثي البائد إبان الإنتفاضة الشعبانية، فتم تجديده وترميم القاشاني ولاسيما الكتيبة القرآنية التي تعلوه.

2- باب الطوسي: يقع في الجهة الشمالية من جدار الصحن الشريف، ويقع قريباً منه مرقد الشيخ الطوسي، ومنه جاءت هذه التسمية. ومن الجدير بالذكر أن الإيوان الشمالي الكبير (إيوان اليزدي) الذي يَنفُذ إلى مسجد عمران بن شاهين هو في حقيقته يُمثل باب الطوسي في الهندسة القديمة للعمارة الصفوية، ولكنه أغلِقَ فيما بعد واستُحدِثَ باب مجاور له وهو الباب الحالي الذي يتوسط الأواوين من الجهة الشمالية.

      وقد ورد في (معالم المرقد العلوي المطهر) ما نصه: (ما يجدر ذكره أن الباب الرئيس للمسجد في الوقت الحاضر يتوسط الإيوان الشمالي الكبير الذي يمثل في حقيقته باب الطوسي في أصل هندسة العمارة الصفوية، ولكن تم تغيير موقع الباب فيما بعد وتجديده بوضعه الحالي عام 1372هـ/ 1953م، وهو عام تَتويج الملك فيصل الثاني...)(5).

      ففي عام 1369هـ/ 1949م تم توسيع مدخل باب الطوسي، ووضع باب جديد في سنة 1372هـ/ 1953م، وتم افتتاحه عام تَتويج الملك فيصل الثاني، وقد أرَّخ الشيخ محمد علي اليعقوبي هذا العمل بقوله:

بــاب علــم النبــي حول حمــاه          شـيَّدوا بـــاب حطـــة فادخلـوه
باب صحن أرّخت ُ: (أم باب قدس          عــام تتويـــج فيصـــل جــددوه)

3- باب القبلة: يقع هذا الباب في الجدار الجنوبي للصحن الشريف. ومما يجدر ذكره أن ما يُعرَف الآن بالإيوان الجنوبي الكبير (إيوان الحبوبي) هو باب القبلة في التخطيط الأصلي للعمارة الصفوية، ولكن بعد ذلك أغلِقَ هذا الباب واستُحدِثَ الباب الحالي الذي يتوسط الجدار(6). وقد طرأ على هذا الباب تجديد وإصلاح في مرات عدة آخرها ما قام به الوالي العثماني شبلي باشا من توسيع وتجديد في سنة 1291هـ/1874م. ونظم السيد إبراهيم بحر العلوم قصيدة في تلك المناسبة مطلعها:

لقد فتح الشبلي للمرتضى بابا          عـلا بعلي ذروة العـرش أعتابا

ويقول فيها مؤرخاً:

ترصع بالسبع السواري فأرّخــوا         (نعم فتح الشبلي لحيدرة بابا)(7).

4- باب مسلم بن عقيل عليه السلام: يقع في الجهة الشرقية من جدار الصحن الشريف مُجاوراً لمسجد الخَضراء. فُتِحَ في أيام سادن الروضة الحيدرية الملا يوسف في سنة 1252هـ، نافذاً إلى القيسارية المجاورة له لذا كان يُطلق عليه تسمية (باب العبايجية). وفي عام 1371هـ /1951م تم تجديد هذا الباب في عهد قائمّقام النجف يوم ذاك الأستاذ ضياء شكاره، وزُخرِفَت واجهته الخارجية بالقاشاني وسُمّي بباب مسلم بن عقيل عليه السلام(8).

5- باب الفرج: وهو أحدث باب تم فتحه في الصحن الشريف، يقع في الجدار الغربي من الصحن الشريف مُواجهاً لمحلة العمارة (صحن فاطمة الزهراء عليها السلام حالياً)، وكان سابقاً يعرف بالباب السلطاني، إذ أمرَ السلطان عبد العزيز العثماني باستحداثه في سنة 1279هـ، وقد أرَّخ الشروع بهذا العمل الشيخ عباس كاشف الغطاء بقصيدة منها هذه الأبيات:

عبـــــد العزيـــــز أعــــز الله جانبــــه          والديــن حُصِّـــن فيـــه أي تحصـــين
فجــاد فـي فتــح بـاب أورثــت سـعة          لزائـري قبـــر بـــاب العلـــم والديـــن
فقــف بها خاضــعاً واسمع مؤرخهــا          (جلّت علت باب سلطان السلاطين)

     ومن الجدير بالذكر أن السلطان عبد العزيز العثماني قد أقام كثيراً من التشريفات لسلطان إيران ناصر الدين شاه القاجاري عند زيارته العتبات المقدسة في العراق، وكان منها فتح هذا الباب في عام 1287هـ(9).

قاشاني الصحن الشريف

غُلّفَت أغلب جدران الصحن الشريف من الداخل بالقاشاني، وكُتبَ على جبهاته الأمامية آيات قرآنية وأحاديث شريفة وأبيات من الشعر، إذ جُدِّدَ قاشاني الأواوين عام 1156هـ/1743م من قبل الخاتون  گوهر شاه بيگم زوج السلطان نادر شاه، وتم تجديد قاشاني الصحن مرة ثانية في زمن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ، وكان ابتداء العمل فيه سنة 1323هـ / 1905م وانتهاؤه في رجب سنة 1327هـ/1909م(10).

     وقد أشار الشيخ محمد حسين حرز الدين في كتابه (تاريخ النجف الأشرف) إلى هذا التجديد بقوله: (كانت أواوين الصحن وجدرانه مكسوة بالأحجار القاشانية على عهد الشاه صفي المتوفى سنة 1052هـ، فلما طال عهدها ومر عليها قرابة مائة سنة أو أكثر تكسّرت وسقط أكثرها، ولما فرغ السلطان نادر شاه من تذهيب القبة والمئذنتين والإيوان الكبير الشرقي بذلت زوجته لتجديد القاشاني في الصحن مبلغاً طائلاً، وكان الشروع في العمل سنة 1156هـ وانتهاؤه في سنة 1160هـ)(11).

       وفي العهد العثماني سقطت من الواجهة الداخلية الشرقية للصحن أحجار بعض الأواوين على الزائرين ومات بعضهم، فأمر السلطان عبدالحميد الثاني بقلع الحجر القاشاني وتجديده  وكان ابتداء العمل في سنة 1323هـ، وقد أرَّخ هذا الحدث الشيخ مرتضى كاشف الغطاء بأبيات خمسة مكتوبة بالحجر القاشاني على الدعامة اليمنى الداخلية للطابق الثاني للخارج من الصحن الشريف من باب الساعة، إذ قال مؤرخاً:

وفاز بالأجــر فأرَّختــــــه          (إذ جَدَّد السلطان صحن الأمير)

    وأرَّخ عام اكتمال تجديد القاشاني (1327هـ) السيد باقر الهندي بأبيات ثلاثة، وقد كُتِبَت مادة التاريخ وحدها بالحجر القاشاني على جبهة باب الساعة من خارج الصحن الشريف، قال:

حضرة قدس قد سما سمكها          تزدحـــم الأمــلاك فـي بابهــا
يـــــود جبرائيـــــل لـــــو أنَّــه          يُعَــــد مــــن جملــــة حجابها
البــاب بـــــاب الله تاريخـــــه:          (بـاب علي لذ بأعتابهــا)(12).

أرضية الصحن الشريف

ورد في (معالم المرقد العلوي المطهر) ما نصّه: (في سنة 1206 هـ/1791م أمر السيد محمد مهدي بحر العلوم بتَسوية ساحة الصحن ورَصفها بالحجر، ثم جُدّدت الأرضية بأمر من السلطان عبد الحميد الثاني، وكان تمام العمل فيها في العام 1316هـ/1898م. وحدثت تجديدات أخرى في سنة 1353هـ/1934م وفي سنة 1401هـ/ 1981م، وفي الآونة الأخيرة جُدِّدَت الأرضية بمرمر الثاسيوس اليوناني من قبل الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة في سنة 1430 هـ/ 2009م) (13).